قبل 12 شهرا، كان الأمريكيون ينتظرون العام الجديد الذى سيشهد انتخابات رئاسية تحدد من سيبقى فى البيت الأبيض لأربع سنوات، ويتشوقون لمعرفة مصير محاكمة عزل ترامب التي كانت قد بدأت فى الكونجرس فى الأسابيع الأخيرة من 2019، لكنهم لم يتوقعوا أبدا أن 2020 سيأتى بأكبر كارثة صحية فى تاريخهم، وهى تفشى وباء كورونا وتصدرهم قائمة دول العالم فى الإصابات والوفيات، إلى جانب احتجاجات ضد العنصرية ذكرت بحركة الحقوق المدنية فى الستينيات من القرن الماضى.
كورونا يغزو الولايات
مع تسجيل أول إصابة بكوفيد 19 فى الولايات المتحدة فى فبراير، انتشر الفيروس القاتل بشكل سريع وخارج عن السيطرة فى مختلف الولايات الأمريكية، وتحولت نيويورك إلى بؤرة الوباء لتمثل وحدها حوالى خمس الإصابات فى البلاد.. وتعالت التحذيرات الصحية القاتمة، خاصة من د. أنتونى فاوتشى، أبرز خبراء الأوبئة فى الولايات المتحدة الذى أكد، ولا يزال، أن الأسوأ لم يأت بعد.. وبعد أسابيع من التقليل من خطورة الوضع، صدم الرئيس ترامب الأمريكيين بحقيقة الموقف وأكد أن عشرات الآلاف سيموتون بسبب الجائحة، وهو ما حدث بالفعل، حيث بلغ عدد وفيات كورونا فى الولايات المتحدة حتى الآن أكثر من 135 ألف.
ولم يكتف كورونا بحصد الأرواح، بل فجر معه أزمات وصراعات اقتصادية وسياسية، فانتكست المكاسب الاقتصادية التي تحققت خلال السنوات الثلاث الأولى من حكم ترامب، ودخل الاقتصاد الأمريكي فى حالة ركود لأول مرة منذ سنوات، فيما تعزز الانقسام السياسى بين الجمهوريين والديمقراطيين حول نهج الإدارة فى التعامل مع الوباء. فبينما رفض ترامب وحزبه فرض القيود والإغلاق الشامل لتجنب الآلام الاقتصادية، فإن الديمقراطيين وأنصارهم رأوا أن سياسته ساهمت فى خروج الأزمة الصحية عن السيطرة.
ومع نهاية العام، أصبح اللقاح القضية الأساسية التي لم تبتعد عن السياسة والاقتصاد، فصور ترامب سرعة التوصل إلى لقاح ضد الفيروس المستجد على أنه أحد إنجازاته، فيما تشير التوقعات إلى مكاسب كبيرة ستحقق مع إنتاج الشركات الأمريكية المنتجة للقاح وعلى رأسها فايزر وموديرنا لأرباح هائلة جراء بيع ملايين الجرعات حول العالم.
احتجاجات ضد العنصرية
فجر مقتل الرجل الأمريكي من أصل أفريقى جورج فلوريد على يد الشرطة الأمريكية فى مايو الماضى موجة احتجاجات هائلة من الاحتجاجات ضد العنصرية المنهجية، خاصة وأن الحادث لم يكن الأول من نوعه الذى يلقى فيه أحد أصحاب البشرة السمراء العزل مصرعهم على يد رجال الشرطة البيض. وبات نشاط حركة “حياة السود تهم” الحدث المهمين على الوضع فى الولايات المتحدة لأسابيع وسط موسم انتخابى صخب.
ومن احتجاجات محلية فى منطقة منيابولس التي شهدت مصرع فلويد، انطلقت حركة عالمية لدعن حياة السود مهمة. وشهدت أكثر من 2000 مدينة وبلدة فى أمريكا والعالم مظاهرات لأسابيع للمطالبة بالعدالة العرقية.
وأدى هذا إلى تركيز الحملة الانتخابية، خاصة من الديمقراطيين على هذه القضية، كأحد طرق الانتصار على ترامب والفوز بأصوات السود فى انتخابات نوفمبر. ومن المتوقع أن تظل هذه القضية مهيمنة على المشهد السياسى الأمريكى خلال الفترة الأولى من حكم بايدن فى انتظار القرارات التي سيتخذها.
انتخابات رئاسية
كان سباق البيت الأبيض 2020 استثنائيا بالتأكيد، فإجراء انتخابات فى ظل الوباء لم يكن بالأمر الهين، لكن النتيجة كان مذهلة فشارك فيها حوالى 160 مليون أمريكيا، وهى أكبر نسبة إقبال فى تاريخ الولايات المتحدة، وحصل جو بايدن على أكبر عدد من الأصوات لمرشح رئاسى، حوالى81 مليون صوت فى المجمل بنسبة 51.3% من الناخبين وبفارق 7 مليون صوت عن ترامب. ورغم هزيمته، إلا أن الرئيس حصل على أكبر عدد من الأصوات لمرشح جمهورى، وكشفت عن نسبة التأييد الكبيرة التي يحظى بها والتي فاجأت الإعلام الأمريكي نفسه، الأشد عداءً لترامب.
وبعيدا عن الأرقام القياسية، ورغم فوز المرشح الديمقراطى وهزيمة الرئيس الجمهورى، لكن بالنسبة للحزبين لم يحقق أيا منهما انتصارا. وبدلا من ذلك، وكما تقول صحيفة واشنطن بوست، كانت هذه الانتخابات استمرار لصراع طويل على السلطة قائم منذ أكثر من 10 سنوات دون حل واسع له.
ورغم محاولات ترامب التشبث بالسلطة بمزاعم حدوث تزوير واسع فى الانتخابات لم ينجح فى إثباته مجموعة من الطعون القانونية والألاعيب السياسية، فإن بايدن يقترب من البيت الأبيض فى غضون أقل من شهر. وهذا لا يعنى أن ترامب سيبتعد من جديد عن عالم السياسة، بل يبدو أنه يسعى للعودة إليه سريعا من خلال خوض تجربة الترشح للرئاسة مجددا فى 2024.