أعلنت مدينة نيويورك عن التوصل إلى تسوية مالية كبرى مع شركة «ستاربكس» العالمية للمقاهي، تقضي بدفع ما يقرب من 38,9 مليون دولار لما يقدَّر بنحو 4 آلاف من عمّال الشركة في المدينة، بعد تحقيق رسمي خلص إلى أن سلسلة المقاهي انتهكت قوانين العمل المحلية الخاصة بجدولة الدوامات والإجازات المدفوعة في المدينة.
ما هي القضية؟ وكيف بدأت التحقيقات؟
بحسب ما أوردته الصحافة المحلية، فتحت السلطات في مدينة نيويورك تحقيقاً موسعاً في ممارسات ستاربكس داخل حدود المدينة، على خلفية شكاوى تقدّم بها عمّال حاليون وسابقون أكدوا أنهم يتعرّضون لتغيير مفاجئ ومتكرر في جداول عملهم، وإلغاء نوبات عمل أو إضافتها في اللحظات الأخيرة دون تعويض مناسب، فضلاً عن ضغوط مرتبطة بطلبات الإجازة المرضية أو الإجازات الشخصية المدفوعة.
التحقيق خلص إلى أن هذه الممارسات تمثل انتهاكاً لقانون «العمل بجدولة متوقعة – Fair Workweek» المعمول به في نيويورك، الذي يفرض على أصحاب العمل في قطاعات مثل المطاعم والوجبات السريعة أن يزوّدوا الموظفين بجداول عمل واضحة قبل مدة محددة، وأن يدفعوا تعويضاً إضافياً إذا اضطروا إلى تغيير الجداول في وقت متأخر. كما أشار التحقيق إلى انتهاكات متعلقة بقانون «الإجازة المرضية والإجازة للسلامة – Paid Safe and Sick Leave» الذي يمنح العاملين حق الحصول على إجازات مدفوعة لأسباب صحية أو لأغراض تتعلق بالسلامة الشخصية أو العائلية.
تفاصيل التسوية وما الذي سيحصل عليه العمال؟
بموجب التسوية، وافقت ستاربكس على دفع نحو 38,9 مليون دولار تُوزَّع على آلاف العاملين الحاليين والسابقين في فروعها داخل نيويورك، كتعويض عن الأجور والمزايا التي حُرموا منها بسبب تغيير الجداول أو خفض ساعات العمل أو رفض طلبات الإجازة بطريقة مخالفة للقانون. سيُحتسب نصيب كل عامل استناداً إلى عدد الساعات التي عملها خلال فترة المخالفات، وطبيعة الانتهاكات التي تعرض لها.
التسوية لا تعني إقراراً بالمسؤولية القانونية من جانب ستاربكس على المستوى القضائي، لكنها تشكّل اعترافاً عملياً بوجود خلل في سياسات الجدولة والإدارة، وتلزم الشركة بإدخال تعديلات على نظام العمل الداخلي في فروعها بالمدينة، بما يتوافق مع قوانين نيويورك المحلية. وتشمل هذه التعديلات تحسين إخطار الموظفين بجداول العمل، واحترام الحد الأدنى للفاصل الزمني بين نوبات العمل، وتوثيق الإجازات المدفوعة بما يمنع إساءة استخدامها ضد العامل.
البُعد النقابي والسياسي للقضية
قضية ستاربكس في نيويورك تأتي في سياق أوسع من حراك نقابي متصاعد في الولايات المتحدة، حيث يسعى عمال المقاهي والمتاجر وسلاسل الوجبات السريعة لتأسيس نقابات تمثلهم والتفاوض باسمهم على الأجور والظروف. في بروكلين، شهد أحد فروع ستاربكس في حي بارك سلوب وقفة احتجاجية، شارك فيها عمال ومتضامنون، إضافة إلى شخصيات سياسية محلية، للتأكيد على أن التسوية خطوة مهمة لكنها ليست نهاية المعركة من أجل بيئات عمل أكثر عدلاً واستقراراً.
بالنسبة لهذه الحركات، تُعتبر التسوية علامة على أن الضغط القانوني والسياسي يمكن أن يحقق نتائج ملموسة، وأن المدن الكبرى مثل نيويورك قادرة على فرض احترام قوانينها، حتى على شركات عالمية كبرى. كما تبرز القضية أهمية القوانين المحلية التي تمنع استغلال العمال من خلال الجداول غير المستقرة، وهي ظاهرة يعاني منها بشدة العمال ذوو الدخل المحدود، ومن بينهم عدد كبير من المهاجرين.
ماذا تعني هذه التسوية للعمال العرب والمهاجرين؟
الكثير من أبناء الجاليات العربية في نيويورك يعملون في قطاعات الخدمات والمطاعم والمقاهي، حيث تنتشر أنظمة «الدوامات المتبدلة» والاعتماد على الدخل بالساعة دون ضمان راتب ثابت. هذه التسوية ترسل رسالة واضحة مفادها أن القانون يقف في صف العامل متى امتلك المعلومات والقدرة على تقديم شكوى موثقة، وأن استخدام اللغة أو قلة المعرفة بالنظام لا ينبغي أن تكون سبباً في السكوت عن الانتهاكات.
كما تُذكّر القضية العاملين العرب بأهمية الاحتفاظ بسجلات شخصية لساعات العمل والرسائل النصية المتعلقة بالجداول، وعدم التردد في الاستعانة بمحامين أو منظمات مجتمع مدني مختصة بحقوق العمال عند الشعور بالظلم. فالنتيجة هنا لم تقتصر على تعويض مالي، بل ألزمت شركة عالمية بتغيير سياساتها في واحدة من أكبر مدن العالم.






