لم يأت إعلان وزير الصحة الألماني ينس شبان أمس بأن وباء كوفيد-19 بات تحت السيطرة من فراغ.
فمنذ بداية تفشي الوباء في أوروبا، وظهور أرقام الوفيات المرعبة في العديد من الدول، لا سيما إيطاليا واسبانيا وفرنسا وبريطانيا، كانت أرقام الوفيات في المانيا اقل بكثير، وهذا يرجع بالدرجة الأولى إلى الاستراتيجية التي اتبعتها السلطات من أجل السيطرة على تفشي الوباء ومنع انهيار القطاع الصحي.
وبعد شهر من القيود التي فرضتها السلطات ووعدت بإنتاج الأقنعة الواقية بكميات كبرى قبل أسبوع من بدء تخفيف إجراءات العزل تدريجيا. أظهرت بيانات معهد روبرت كوخ لمراقبة الأوبئة أن كل مصاب بكوفيد-19 في البلاد بات ولأول مرّة ينقل العدوى إلى أقل من شخص. وأشارت إلى أن معدّل العدوى بفيروس كورونا المستجد المسبب للوباء بين شخص وآخر تراجع إلى 0,7
وأعلن وزير الصحة الالماني أن فيروس كورونا المستجد بات تحت السيطرة.
وقال الوزير إن، أعداد الإصابات انخفضت بشكل كبير، وخصوصا الارتفاع النسبي على أساس يومي. التفشي بات الآن مجددا تحت السيطرة” ويعد معدل انتقال العدوى مؤشرا غاية في الأهمية لأنه يؤثر على قدرة النظام الصحي على استيعاب صدمة الوباء.
وألمانيا التي استقبلت في مستشفياتها عشرات المرضى الفرنسيين والإيطاليين ستتمكن من الآن وصاعدا من تخفيف القيود، واعتبارا من 4 مايو ستبدأ المدارس بإعادة فتح أبوابها مع إعطاء الأولوية للطلبة الذين سيجرون امتحاناتهم قريبا، وسيسمح للمتاجر التي تزيد مساحتها عن 800 متر مربع باستقبال الزبائن مجددا. لكن، هذا النجاح على مراحل يبقى «هشا» كما حذرت الأربعاء المستشارة الألمانية انجيلا ميركل التي بلغت شعبيتها ذروتها بعد 14 عاما في السلطة.
ويحذر بعض الخبراء من أنَّ معدل الإصابات بـ «كوفيد-19» قد يرتفع مرة أخرى، ولذلك سيتواصل تطبيق قواعد تحظر تجمّع أكثر من شخصين في الأماكن العامة باستثناء العائلات التي يعيش أفرادها في منزل واحد، بينما ستبقى المناسبات العامة الكبيرة محظورة حتى 31 اغسطس، مع ضرورة احترام التباعد الاجتماعي لمسافة متر ونصف المتر.
وأكد وزير الصحة الألماني الجمعة أنه، يجب تعلم كيفية التعايش مع الفيروس، ومن أجل تجنب عودة انتشار الفيروس، ستعمد ألمانيا إلى صنع كميات كبرى من الأقنعة الواقية.
وبلغ عدد الإصابات المعلنة رسميا الجمعة 133830 حالة بزيادة 3380 في 24 ساعة، فيما تجاوزت الوفيات 3868 بحسب معهد روبرت كوخ.
ووفق تقارير نشرت في عدة وسائل اعلام غربية. يرى مراقبون أن هناك مجموعة من العوامل لعبت الدور الأهم في نجاح المانيا بمحاربة الفيروس المميت.
أولاً: الاختبارات المكثفة
اعتمدت ألمانيا استراتيجية كوريا الجنوبية لمواجهة انتشار فيروس كورونا المستجد مع زيادة أعداد الفحوصات ووضع المرضى في الحجر الصحي وذلك لمنع استنفاد طاقات مستشفياتها التي تنقصها طواقم طبية.
فقد لجأت ألمانيا التي غالبا ما اعتبرت مثالا في أوروبا لإدارة الوباء، إلى القيام بحوالى 300 ألف إلى 500 ألف فحص أسبوعيا وهي وتيرة أعلى مما تقوم به عدة دول أوروبية مجاورة، وخصوصا فرنسا التي نفحص فقط المرضى الذي يعانون من حالات متقدمة، وفق تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية.
وقالكريستيان دروستن، أكبر علماء الفيروسات بمستشفى شاريتيه في برلين، إن ألمانيا تجري الآن ما يصل إلى خمسمئة ألف اختبار أسبوعياً.
وأوصت وثيقة صادرة عن وزارة الداخلية ، باستراتيجية مستوحاة من نموذج كوريا الجنوبية مع القيام بحوالى 200 ألف فحص للكشف عن المرض يوميا. وفحص كل الأشخاص الذين يعتقدون أنهم مصابون
والفحوصات شملت ايضا كل الذين كانوا على تواصل مع اي شخص مصاب.
ثانيا – تعقّب المخالطين وكسب الوقت
تم تعقّب أول 16 حالة إصابة، واكتُشف أن سببها موظفة في فرع شركة ألمانية لتصنيع قطع غيار السيارات في شانغهاي، حيث زارت الموظفة مقر الشركة الام في إقليم بافاريا في 19 يناير الماضي. وفي اليوم التالي الذي شعرت فيه الموظفة بالتعب، بعد عودتها إلى الصين، أُبلِغَت السلطات الألمانية، وتمكنت من احتواء مجموعة المصابين في غضون أسبوعين، عبر إجراء الفحوصات والعزل.
وسمحت الاختبارات المكثفة، بتعقب المخالطين لأي شخص مصاب وإجراء الاختبارات لهم وعزلهم، حتى يتم منع انتشار الفيروس بسرعة وبالتالي كسب وقت مهم جداً لبناء دفاعاتها في مواجهة المرض. ويقول الطبيب كليمينز فينتنر الذي عالج مرضى في مدينة ميونخ: «تعلمنا أن من الضروري أن نتعقّب بكل دقة سلسلة العدوى من أجل كسرها».
وتعاون فينتنر مع بعض من أكبر علماء ألمانيا في التعامل مع ما أصبح يعرف في ما بعد باسم «سلسلة ميونخ»، وقدموا النصح لحكومة بافاريا حول كيفية التحرك. وبعدها قادت بافاريا الطريق في تقييد حركة المواطنين وتم تطبيق تلك القيود في جميع أنحاء البلاد في 22 مارس.
ونسب علماء، منهم كريس ويتي، كبير الأطباء في إنكلترا، الفضل في إبطاء انتشار الفيروس في ألمانيا، لتوسعها في إجراء الاختبارات مبكراً.
وذكر كريستيان دروستن، أكبر علماء الفيروسات بمستشفى شاريتيه في برلين، إن من العوامل التي أفادت ألمانيا وجود سلسلة واضحة مبكرة من الإصابات. وكان دروستن واحداً من أكثر من أربعين عالماً شاركوا في فحص مجموعة ميونخ.
واستغلت الحكومة الألمانية الأسابيع التي كسبتها من تجربة ميونخ في مضاعفة عدد الأسِرّة في وحدات العناية المركزة، التي يبلغ عددها الآن نحو 28 ألف سرير.
ثالثا – البنية التحتية للرعاية الطبية
من المؤكد أنَّ ألمانيا مستعدة بشكل أفضل لارتفاع حالات الإصابة بالفيروس مقارنة بالعديد من البلدان الأخرى؛ فلديها واحدة من أفضل أنظمة الرعاية الصحية المُموَّلة في العالم؛ إذ تحتل المرتبة الرابعة في نصيب الفرد من الإنفاق بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، كما خصصت جزءاً كبيراً من ميزانيتها الصحية على البنية التحتية للرعاية الطبية الحرجة.
وفي هذا السياق، ذكر الدكتور أوه يانسنز، رئيس اتحاد طب الطوارئ والرعاية المركزة: «في الوقت الحالي لدينا 10 آلاف سرير رعاية مركزة في ألمانيا، متاحة للحالات الحرجة المصابة بالفيروس»، مردفاً أن ألمانيا لديها بالفعل أسرّة رعاية مكثفة أكثر من معظم الدول الأخرى -34 سريراً لكل 100 ألف نسمة – ويمتلك الألمان أيضاً 25 ألف جهاز تنفّس صناعي في متناول اليد.