في تحدٍ مباشر لإدارة الرئيس دونالد ترامب، عقد مجلس مدينة نيويورك مؤتمراً صحفياً حاشداً اليوم في مقر البلدية، بمشاركة قادة دينيين ونشطاء، ليعلنوا رفضهم القاطع لأي محاولة لنشر قوات عسكرية أو فرق فيدرالية مسلحة في شوارع المدينة. وأكد أعضاء المجلس أن مثل هذه الخطوة، التي لوح بها الرئيس، لا تعتبر غير ضرورية فحسب، بل تمثل تهديداً مباشراً للسلامة العامة والاقتصاد المحلي، وتجسد تصعيداً خطيراً في استخدام أجهزة إنفاذ القانون لأغراض سياسية.
وقد جاء هذا الموقف الحازم رداً على تهديدات متكررة من الرئيس ترامب بالتدخل الفيدرالي في المدن التي يقودها الديمقراطيون، بحجة مكافحة الجريمة. غير أن قادة نيويورك يرون في هذه التهديدات استمراراً لنهج عدائي تتبعه الإدارة الحالية ضد مدينتهم، يهدف إلى تقويض استقرارها ومعاقبة سكانها سياسياً.
خلفية الصدام: تخفيض التمويل والمداهمات
أوضحت رئيسة مجلس المدينة، أدريان آدامز، أن هجوم إدارة ترامب على نيويورك ليس جديداً، بل هو حملة مستمرة منذ أشهر. وقالت في كلمتها: «مدينة نيويورك لا تريد ولا تحتاج إلى احتلال عسكري أو فيدرالي. منذ أشهر، تهاجم إدارة ترامب مدينتنا بطرق تقوض السلامة العامة وتضر بالعائلات العاملة». وأشارت آدامز إلى أن هذه السياسات أدت إلى إضعاف المجتمعات المحلية واقتصادها من خلال تعطيل الأحياء وممراتها التجارية الصغيرة، وكل ذلك «من أجل السياسة».
ولم تقتصر انتقادات المجلس على التهديدات الأخيرة، بل شملت أيضاً إجراءات ملموسة اتخذتها الإدارة الفيدرالية. فقد ندد المشرعون بشدة بالمداهمة الأخيرة التي نفذتها وكالة الهجرة والجمارك (ICE) في شارع كانال بحي مانهاتن، والتي أسفرت عن اعتقال عدد من الباعة الجائلين واحتجازهم في مبنى “26 فيدرال بلازا”. ووصف أعضاء المجلس الظروف في هذا المركز بأنها «مزدحمة وغير صحية»، مما يعكس استخفافاً بالحقوق الأساسية للمحتجزين.
كما سلط أعضاء المجلس الضوء على الأثر المالي لسياسات ترامب، مشيرين إلى مليارات الدولارات من التمويل التي تم قطعها عن المدينة. وشمل ذلك مئات الملايين من منح وزارة العدل المخصصة للبلديات لبرامج منع الجريمة، وخدمات الضحايا، ومبادرات الحد من العودة للإجرام. وفي خطوة وصفت بالمقلقة، خططت الإدارة لإلغاء ما يقرب من 200 مليون دولار مخصصة لبرامج مكافحة الإرهاب في نيويورك، ولم تتراجع عن قرارها إلا بعد ضغوط سياسية شديدة.
أصوات موحدة من أعضاء المجلس
توالت كلمات أعضاء المجلس لتعكس إجماعاً نادراً على رفض التدخل الفيدرالي، حيث أكد كل منهم على أن السلامة الحقيقية تنبع من الاستثمار في المجتمع وليس من العسكرة والترهيب.
قالت زعيمة الأغلبية أماندا فارياس: «العسكرة الفيدرالية ليست هي السلامة العامة. فكرة أن نيويورك تحتاج إلى تدخل فيدرالي تكشف عن انعدام ثقة الرئيس بنفسه أكثر مما تبرره أي إحصائية أمنية». وأضافت أن نشر القوات العسكرية يقوض التقدم الذي تحققه المدينة من خلال المساءلة، والإسكان، ورعاية الصحة النفسية، وهي الاستراتيجيات التي تمنع الأزمات وتحافظ على الاستقرار.
من جانبها، قالت مسؤولة الانضباط الحزبي للأغلبية، سيلفينا بروكس-باورز: «ليس للحكومة الفيدرالية مكان في تحويل أحيائنا إلى مناطق عسكرية». وأشارت إلى أن سكان نيويورك، وخاصة مجتمعات الملونين، قد عانوا طويلاً من الإنفاذ المفرط للقانون.
أما عضو المجلس إريك دينويتز، فقد وصف تهديدات ترامب بأنها «محاولة خطيرة لتخويف وتقسيم مدينتنا، ومجهود غير مسؤولอย่างยิ่ง لتوظيف إنفاذ القانون لتحقيق مكاسب سياسية». وأضاف بحزم: «لن يتم ترهيبنا، ولن نسمح أبداً لخطاب الخوف بأن يملي علينا كيف نعيش أو كيف نحكم في مدينتنا».
بدوره، ربط عضو المجلس شيكار كريشنان بين هذه التهديدات وأجندة الهجرة الأوسع للإدارة، قائلاً: «لقد أوضح دونالد ترامب أن مدينة نيويورك هي هدف للعسكرة وخطط الترحيل الجماعي لوكالة ICE، مهاجماً بذلك التنوع والثقافة والروح التي تجعلنا أعظم مدينة في العالم». وأشار إلى أن المجلس البلدي كان ثابتاً في وضع تدابير حماية، مثل تمرير تشريعه لحماية الباعة الجائلين المهاجرين وزيادة تمويل الخدمات القانونية للمهاجرين في ميزانية المدينة.
يمثل هذا الموقف الموحد رسالة واضحة من القيادة المنتخبة لمدينة نيويورك إلى واشنطن: المدينة قادرة على إدارة شؤونها بنفسها، وأن أي محاولة لفرض وصاية فيدرالية بالقوة ستواجه بمقاومة سياسية وشعبية واسعة.






