الكثيرون يعتقدون أن أفضل طريقة لاستكشاف مدينة جديدة هى السير على الأقدام. فيمكنك من خلال السير على الأقدام معرفة الشوارع والمحال والسكان والاصوات والروائح والأدواق بصورة أعمق.
ولكن “مات جرين” طور من هذه الفلسفة خطوة أبعد مما هي عليه، وقرر خلال استكشافه لمدينة نيويورك السير في كل شارع وكل ممر وكل منتزه وكل ميدان عام في المدينة. وتبلغ المسافة المقدرة 12800 كيلو متر.
وبحسب تقرير لوكالة الأنباء الألمانية “د.ب.أ”يقوم جرين بالسير منذ سبعة أعوام الآن، ويقوم كل يوم بالسير لبضعة كيلومترات . وينام جرين على آرائك أصدقائه، وأحيانا يقوم برعاية حيواناتهم الأليفة مقابل استضافتهم له.
وتحول ما بدأ كوسيلة للهروب من ملل وظيفته المكتبية كمهندس مدني إلى دراسة طويلة المدى للمدينة التي بها5ر8 مليون نسمة. ويلتقي جرين بمواطنين و يقوم بالتقاط صور ويقرأ حول تاريخ المدينة. كما أنه يسجل كل شيء في مدونته التي تحمل عنوان” إنني فقط أمشي”.
وللمشي تاريخ طويل بصفته التزاما دينيا أو سياسيا. فطوال قرون، يقوم المسلمون بالحج إلى مكة، واليهود للقدس والبوذيون للتبت. خلال عام 1930، قام مهاتما غاندي بالسير لمسافة 400 كيلومتر في أنحاء الهند احتجاجا على الضريبة البريطانية على الملح. وقام أكثر من 300 ألف مسافر العام الماضي بالسير إلى سانتياجو دي كوبوستيلا في إسبانيا، الطريق الديني الأكثر شهرة في أوروبا.
هناك العشرات من المسافرين الذين عبروا الولايات المتحدة الأمريكية أو حتى العالم بأكمله سيرا على الأقدام: دايف كونست ذاع صيته عام 1974 بصفته أول رجل يتجول حول العالم سيرا على الأقدام، واستغرق الكندي جان بيليفياو 11 عاما في السير لمسافة أكثر من 75ألف كيلومتر للدعوة ” للسلام و عدم العنف من أجل أطفال العالم”. واستخدام جان54 زوجا من الأحذية و عبر60 دولة.
وقام كثيرون آخرون بالسير لمسافات طويلة لتسليط الضوء على قضايا مثل السرطان ومرض الباركنسون ( الشلل الرعاش).
ولكن جرين غير مهتم بالسير من أجل غرض سامي، ولا هدف معين. وقال خلال فيلم وثائقي بعنوان “العالم أمام أقدامك ” لا أعلم حقا ما الغرض من ذلك”.
وهو لا يريد أيضا أن يصبح مرشدا سياحيا بالمدينة، أو يكتب كتابا. جرين يقوم بالسير لأنه فقط يريد السير. وقال في الفيلم الوثائقي إنه يعتقد أن الأشخاص الجديرين بالإعجاب بصورة كبيرة هم من يفعلون أمرا ما لانهم يريدون ذلك.
حتى بالنسبة للبروفيسور بيل هيلمريش، الذي سار في أنحاء نيويورك منذ عام 2008 حتى 2012، فقد كان يضع الصورة الأكبر في ذهنه، وتبنى توجها ممنهجا.
وعلى النقيض، بالنسبة لجرين،الأمر يتعلق باستكشاف الأجزاء المنفردة من المدينة، بحسب ما يقوله هيلمريش في الفيلم الوثائقي :استكشاف الممرات المنسية أو مشاريع البناء التي لم تكتمل أو العثور صدفة على أطول شجرة في المدينة.
فقد اكتشف جرين صدف جوز الهند على طول مياه( ربما جزء من طقوس هندوسية) كما جمع شعيرات من سيارات جمع القمامة. ويقول هيلمريش إن جرين يصف “قلب وروح ونبض” المدينة.
ويمكن أن تكون النتيجة أدق كتاب إرشادي على شبكة الإنترنت حظيت به نيويورك. كما تحظى المنشورات باهتمام من يعلمون نيويورك جيدا أيضا، مثل المنشور حول النصب التذكاري لإريك جارنر، الذي توفى على أيدى عنف الشرطة، أو مكان دفن الفنان جان مايكل باسكويات والساحر هاري هوديني.
وأيضا أين يمكنك العثور على قائمة لنحو 300 نصب تذكارية لضحايا هجمات 11 سبتمبر ؟.
وتشجعك رحلة جرين عبر هذه المدينة على السفر ببطء والتأمل بين الطائرات والقطارات والحافلات والسيارات.
ويوضح جرين أنه بالنسبة للكثير من سكان المدينة، فقد أصبح المنظر الذي يشاهدونه غير مرئي. في رحلته، يكشف العالم عن نفسه بصورة جديدة عبر أبسط نشاط بشري: السير.