أعلنت وزارة النقل الأمريكية إلغاء موافقتها على برنامج تسعير الازدحام التابع لهيئة النقل في نيويورك (MTA)، في خطوة تهدد بإلغاء أحد أبرز المشاريع الهادفة لتخفيف الازدحام المروري وتحسين جودة النقل في المدينة. وعلى الفور، أكدت الهيئة أنها ستخوض معركة قانونية أمام المحاكم الفيدرالية للدفاع عن البرنامج وضمان استمراره.
بدأ العمل بالبرنامج في 5 يناير الماضي، حيث فرضت رسومًا بقيمة 9 دولارات على معظم المركبات التي تدخل أحياء مانهاتن الواقعة جنوب سنترال بارك. ووفقًا لمسؤولي النقل، فقد أدى ذلك إلى انخفاض ملحوظ في الازدحام بنسبة 9% في شهره الأول، مع تسجيل 1.2 مليون مركبة أقل في منطقة الأعمال المركزية، كما ارتفعت سرعات الحافلات، وانخفضت حوادث المرور، وزادت حركة المشاة في المناطق التجارية.
موقف الإدارة الأمريكية
أعلن وزير النقل الأمريكي، شون بي. دافي، يوم الأربعاء أن الحكومة الفيدرالية قررت سحب الموافقة على البرنامج، واصفًا الرسوم بأنها “صفعة في وجه الأمريكيين من الطبقة العاملة وأصحاب الأعمال الصغيرة”. وأضاف أن الوزارة ستعمل مع سلطات الولاية على “إنهاء منظم للبرنامج”.
في المقابل، أكدت حاكمة نيويورك، كاثي هوشول، في مؤتمر صحفي أن هيئة النقل كانت مستعدة لهذا القرار، حيث تم رفع دعوى قضائية على الفور لمواجهة الإلغاء. وأضافت: “نحن واثقون من نجاحنا، كما أؤكد أن الكاميرات ستظل قيد التشغيل”.
النجاحات المبكرة للبرنامج
بدوره، شدد رئيس هيئة النقل، جانو ليبر، على نجاح البرنامج منذ تطبيقه، مشيرًا إلى تأثيره الإيجابي على الحركة التجارية والتنقل في المدينة. وقال: “حجوزات المطاعم ارتفعت بنسبة 7%، وإيرادات برودواي زادت بنسبة 25%، بينما ارتفعت معدلات تأجير المكاتب التجارية بنسبة 61% مقارنة بالعام الماضي. الناس يريدون أن يكونوا في نيويورك”.
كما رفض ليبر الادعاءات بأن تسعير الازدحام يضر بالأعمال التجارية، معتبرًا أن البيانات الاقتصادية تشير إلى العكس تمامًا.
ترحيب من ترامب وانتقادات حادة
من جهته، سارع الرئيس السابق دونالد ترامب إلى إعلان النصر عبر منصته “تروث سوشال”، حيث كتب: “تسعير الازدحام قد انتهى. مانهاتن وكل نيويورك قد تم إنقاذهما”، وأضاف بلهجة احتفالية: “يعيش الملك!”. كما نشر البيت الأبيض لاحقًا صورة لترامب مرتديًا تاجًا أمام أفق نيويورك.
هوشول ردت بسرعة على تصريحاته، قائلة في مؤتمر صحفي في محطة “غراند سنترال”: “نيويورك لم تخضع لملك منذ أكثر من 250 عامًا، ولن تبدأ الآن”.
انقسام في ردود الفعل
أثار القرار الفيدرالي ردود فعل متباينة بين المسؤولين المحليين. فقد أكد مراقب مدينة نيويورك، براد لاندر، أن البرنامج كان ناجحًا، حيث انخفضت أوقات التنقل بنسبة 30%، وارتفعت معدلات استخدام وسائل النقل العام، فيما تدفقت مئات الملايين من الدولارات لتحسين البنية التحتية للنقل. وانتقد لاندر قرار ترامب بشدة، معتبرًا أنه مدفوع بأجندة سياسية تهدف إلى إرجاع المدينة إلى “حالة ازدحام خانق وخدمات نقل عام سيئة وهواء ملوث”.
كما دافعت منظمة “رايدرز ألاينس” عن البرنامج، مشيرة إلى أن مستخدمي وسائل النقل العام استفادوا من خدمة أسرع وأكثر موثوقية في جميع أنحاء نيويورك ونيوجيرسي. وقالت المديرة التنفيذية للمنظمة، بيتسي بلوم: “لقد نظمنا حملات لسنوات، وحاسبنا حاكمين، وانتصرنا في المحاكم، وسندافع عن هذا الإنجاز بكل ما لدينا”.
في المقابل، أشاد رئيس بلدية ستاتن آيلاند، فيتو فوسيلا، بقرار إدارة ترامب، واصفًا البرنامج بأنه “كارثة بثلاثة أبعاد: المزيد من الازدحام، المزيد من التلوث، والمزيد من الرسوم”. وأضاف أن البرنامج كان “مشروعًا سياسيًا بحتًا”، ودعا هيئة النقل إلى وقف تشغيل الكاميرات وإنهاء فرض الرسوم فورًا.
معركة قانونية مرتقبة
يواجه البرنامج تحديات قانونية مستمرة، حيث كان قد نجا من عدة دعاوى قضائية قبل إطلاقه، بما في ذلك دعوى رفعتها ولاية نيوجيرسي ونقابات المعلمين وجماعات النقل وعدد من المسؤولين المحليين.
كما أعرب حاكم نيوجيرسي الديمقراطي، فيل ميرفي، عن دعمه لقرار وقف البرنامج، مشيرًا إلى أنه كان قد خاض معركة قانونية ضده سابقًا. وكان ميرفي قد كتب رسالة إلى ترامب في يوم تنصيبه، مطالبًا إياه بإلغائه.
يُذكر أن هوشول نفسها كانت قد أوقفت تنفيذ البرنامج مؤقتًا في يونيو الماضي بسبب مخاوف اقتصادية، لكنها أعادت إحياءه في نوفمبر بعد فوز ترامب بالانتخابات، مع خفض رسوم المركبات الخاصة من 15 إلى 9 دولارات.
أما عمدة نيويورك، إريك آدامز، فقد تبنى موقفًا حذرًا من البرنامج، حيث كان في البداية من داعميه لكنه أصبح أكثر ترددًا مؤخرًا، في محاولة لتجنب التورط في المواجهة بين ترامب والولاية.
مستقبل البرنامج
مع تصاعد الجدل، يبقى مصير تسعير الازدحام في نيويورك معلقًا بين المعركة القانونية المرتقبة والضغوط السياسية المتزايدة. وبينما يرى أنصار البرنامج أنه خطوة ضرورية لتحسين جودة الحياة في المدينة، يؤكد معارضوه أنه عبء اقتصادي غير مبرر على السكان والشركات.