وكالات
ويرى المحرر الرئيسي لمجلة تايم الأمريكية المحلل الأمريكي الهندي الأصل بوبي غوش، أن تمسك أردوغان الغريب بخفض سعر الفائدة رغم أنه يعني المزيد من ارتفاع معدل التضخم، دفع العملة التركية إلى أقل مستوى لها أمام الدولار منذ 20 عاماً، وأضر بالاقتصاد التركي الذي يعتمد على الاستيراد.
تبدد الثقة
ومع ارتفاع الأسعار، أصبح أغلب الأتراك يعانون لتوفير احتياجاتهم من الغذاء والسلع الأساسية الأخرى.
في الوقت نفسه فإن أزمة العملة التركية تبدد ثقة المستثمرين الأجانب في الاقتصاد التركي. ويحذر المحللون من مزيد الصدمات الاقتصادية التي تنتظر تركيا في الفترة المقبلة، كما خفضت مؤسستا التصنيف الائتماني “إس أند بي ريتنغس” و”فيتش” تصنيفهما للديون السيادية التركية، إلى عالي المخاطر.
ورغم ذلك، يرى غوش في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء أنه لا المستثمرين الأتراك، ولا الأجانب يتوقعون، أي تغيير في موقف أردوغان.
أم الشرور
وإذا كان قرار البنك المركزي التركي أمس الخميس، بخفض سعر الفائدة مجدداً، يدل على شيء فإنه يدل على أن الرئيس أردوغان يضاعف الخفض.
فالرئيس التركي يرى أن الفائدة المرتفعة، تؤدي إلى ارتفاع التضخم، على خلاف ما هو مستقر في عالم الاقتصاد. ويرى أردوغان أن الفائدة المرتفعة “أم كل الشرور”.
في الوقت نفسه دفعت سياسات أردوغان معدل التضخم إلى أكثر من 20%. ومع تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يقوده، وتكتل المعارضة ضده، يبدو أن فرصة أردوغان في البقاء في السلطة تتوقف على تعافٍ اقتصادي قبل الانتخابات العامة المقررة في 2023.
وهو يؤمن بقوة بأن الفائدة المنخفضة شرط لتحقيق هذا التعافي. ولذلك أطاح الرئيس التركي في الأشهر التسعة الماضية بوزير المالية ومحافظ البنك المركزي، الذين تجرآ على معارضته حول خفض الفائدة.
ولكن ارتفاع الأسعار في تركيا قلص قيمة المداخبل والمدخرات ما أثار احتجاجات شعبية في أنقرة وإسطنبول. والأتراك الذين يواجهون عبء ارتفاع أسعار الغذاء، لا تستهويهم مقترحات قادة حزب العدالة والتنمية بتقليل كميات الطعام التي يتناولونها.
كما لا تستهويهم وعود الحزب بأن تصبح تركيا ضمن أكبر 10 اقتصادات في العالم بحلول 2023 في حين أنها حالياً تحتل المركز الـ20 بين هذه الاقتصادات.
تداعيات
وإذا استمر تدهور الأوضاع الاقتصادية في تركيا، ستكون لذلك تداعيات جيوسياسية من الصعب التنبؤ بها. ومثل السياسيين الشعبويين في أي مكان، يميل أردوغان إلى المغامرات خارج بلاده لتشتيت انتباه الأتراك لمشاكلهم الداخلية.
ورغم ذلك فإن الوقت لم يتأخر كثيراً لوقف تدهور الليرة. وليحدث ذلك يحتاج أردوغان في البداية إلى الاعتراف بأن سياساته تسبب أضراراً أكثر مما تنتجه من فوائد، وأن البنك المركزي يحتاج إلى زيادة أسعار الفائدة.
وحسب تقديرات خدمة “بلومبرغ إيكونوميكس” للاستشارات الاقتصادية، فإن زيادة الفائدة بين 550 و800 نقطة أساس ستساعد في استقرار العملة، رغم أن علاجاً أقوى قد يصبح مطلوباً إذا استمر التضخم في الارتفاع.
ولكن بعد 18 عاماً في الحكم، لا يبدي أردوغان أي إشارة إلى استعداده للتخلي عن ميله الخيالي لمعارضة كل الأعراف الاقتصادية المستقرة.
وفي حين حقق الاقتصاد التركي نمواً قوياً بمعدل 21.7% من إجمالي الناتج المحلي خلال الربع الثاني من العام الجاري، تباطأ معدل النمو إلى 7.4% في الربع الثالث. لكن جموح الأسعار، سيقلص الإنفاق الاستهلاكي وبالتالي يحد من نمو الاقتصاد.
ولذلك يحذر الكثير من المحللين من ركود اقتصادي في العام المقبل على غرار 2018، خاصة إذا استمر البنك المركزي في خفض أسعار الفائدة، تحت ضغط الرئيس التركي.
وهنا يطرح السؤال، هل تنهي أزمة اقتصادية ممتدة عهد أردوغان؟ فرغم نجاحه في الفوز بفترة حكم جديدة رغم ركود 2018، فإن حزبه عانى من خسائر كبيرة في الأصوات.
انتخابات مبكرة
وسمح أردوغان في ذلك الوقت للبنك المركزي بزيادة الفائدة لوقف تدهور الليرة قبل الانتخابات بأشهر. لكن من الصعب استخدام هذه الحيلة مرة ثانية، أولاً، لأن الأزمة الاقتصادية الحالية أعمق من أزمة 2018، لأنها تأتي في أعقاب التداعيات الاقتصادية لجائحة فيروس كورونا المستجد. وفي الوقت نفسه، تطالب أحزاب المعارضة التي تستشعر الضعف السياسي لأردوغان وحزبه، بانتخابات مبكرة.
ويقول رئيس مركز “تركي رابورو” كان سلجوقي، إن “الفوضى الأخيرة ستدفع الأصوات المتأرجحة المستاءة من تدهور الأوضاع الاقتصادية إلى صفوف المعارضة، وقد زادت احتمالات تراجع تأييد الحزب الحاكم إلى أقل من 30%”.
ومعنى هذا أن أردوغان لن يدعو إلى انتخابات مبكرة. والاحتمال الأقوى، أن يصمد أردوغان في وجه هذه الدعوات على أمل أن تؤدي نظرياته الاقتصادية إلى التعافي الذي يحتاجه.
ولكن في الوقت الذي ينتظر فيه الرئيس التركي انتصاره على القواعد الاقتصادية المستقرة، لا يجب أن يحبس المستثمرون الأتراك والأجانب أنفاسهم انتظاراً للنتيجة.