ألقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطابًا أمام جلسة مشتركة للكونغرس، مؤكدًا أن ولايته الثانية بدأت “بسرعة وحزم”، مشيدًا بالإجراءات التي اتخذتها إدارته خلال الأسابيع الستة الأولى، والتي تضمنت تخفيضات جذرية في عدد الموظفين الفيدراليين وإلغاء المبادرات المتعلقة بالتنوع والشمول.
شهد الخطاب، الذي يُعد الأطول في تاريخ خطابات الرؤساء أمام الكونغرس، حالة من التوتر والجدل الحاد بين الجمهوريين والديمقراطيين. وبينما استقبل الجمهوريون الرئيس بتصفيق حار، كانت الاستجابة الديمقراطية فاترة، وبرزت احتجاجات مباشرة، بما في ذلك مقاطعة النائب الديمقراطي عن ولاية تكساس، آل غرين، الذي صرخ مرارًا قائلاً: “ليس لديك تفويض!” قبل أن يأمر رئيس مجلس النواب، مايك جونسون، بإخراجه من القاعة.
تصعيد سياسي وسخرية من الديمقراطيين
استغل ترامب خطابه للتأكيد على نجاحاته السياسية والاقتصادية، مهاجمًا خصومه الديمقراطيين، وساخرًا من صمتهم تجاه ما وصفه بـ”إنجازاته العظيمة”. وقال ترامب موجهًا حديثه إلى الديمقراطيين في القاعة: “هؤلاء الجالسون هنا لن يصفقوا، لن يقفوا، وبالتأكيد لن يهتفوا لهذه الإنجازات الهائلة.”
كما استغل الرئيس الأمريكي المنصة للتطرق إلى الأزمة الأوكرانية، في محاولة لتهدئة التوتر الذي نشأ بعد تصريحاته الحادة بشأن كييف. وقام بقراءة رسالة شكر من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، نشرها الأخير على وسائل التواصل الاجتماعي في وقت سابق من اليوم، معربًا عن تقديره لها. وأشار ترامب إلى أنه تلقى “إشارات قوية” من روسيا بشأن رغبتها في السلام مع أوكرانيا، قائلاً: “ألن يكون ذلك رائعًا؟ ألن يكون ذلك جميلًا؟”
احتجاجات داخل الكونغرس: لافتات وهتافات وملابس تحمل رسائل سياسية
على مدار الخطاب، لجأ الديمقراطيون إلى وسائل احتجاج مختلفة. رفعت النائبة رشيدة طليب لافتة كُتب عليها “هذه كذبة!” بينما ارتدى عدد من النواب قمصانًا تحمل عبارة “قاوم”. وعند حديث ترامب عن نجاحاته الاقتصادية، قاطعه الديمقراطيون بهتافات ساخرة، متسائلين: “وماذا عن سوق الأسهم؟”، في إشارة إلى التذبذبات الاقتصادية الأخيرة التي عزوها إلى سياسات ترامب التجارية.
كما نظمت مجموعة من المشرعين الديمقراطيين احتجاجًا صامتًا، حيث وقفوا وأداروا ظهورهم للرئيس، مرتدين سترات سوداء تحمل كلمة “مقاومة”. ولتجنب الطرد من القاعة، غادر بعضهم بهدوء بعد دقائق من بدء الخطاب.
السياسات الاقتصادية والهجوم على الإدارة السابقة
في خطابه، أكد ترامب أن الاقتصاد الأمريكي كان في حالة “كارثية” عندما تولى الرئاسة، رغم أن التقارير الاقتصادية تظهر أن الاقتصاد كان الأقوى عالميًا خلال ولاية بايدن. وأعاد التأكيد على أهمية الإجراءات التي اتخذتها إدارته، بما في ذلك خفض الإنفاق الفيدرالي، وإلغاء برامج المساعدات الخارجية التي وصفها بأنها “هدر غير ضروري”، مثل تخصيص 8 ملايين دولار لدعم حقوق مجتمع الميم في ليسوتو.
كما أشاد ترامب بإجراءات وزارة “كفاءة الحكومة”، التي يرأسها إيلون ماسك، والتي زعم أنها كشفت عن مئات المليارات من الدولارات من الاحتيال في النظام الفيدرالي. إلا أن بيانات الحكومة لم تؤكد هذه المزاعم، حيث أشار مكتب المحاسبة الحكومي إلى أن الخسائر الناجمة عن الاحتيال في الإنفاق الحكومي تتراوح بين 233 و521 مليار دولار سنويًا، وهي أرقام تشمل جميع أشكال الفساد وليس فقط تلك التي يدعي ترامب أنه تم كشفها.
سياسات الهجرة والتجارة: تصعيد جديد
خصص ترامب جزءًا كبيرًا من خطابه للحديث عن سياسات الهجرة، حيث كرر مزاعمه بأن “21 مليون مهاجر غير شرعي” دخلوا الولايات المتحدة خلال السنوات الأربع الماضية، متهمًا الإدارة السابقة بالتراخي في تأمين الحدود. وادعى أن إدارته بدأت بالفعل في طرد هؤلاء المهاجرين “بسرعة غير مسبوقة”، رغم أن البيانات الحكومية تشير إلى أن معدلات الترحيل الحالية أقل من مستوياتها خلال إدارة أوباما.
كما أعلن ترامب عن خطط لتعزيز التصنيع المحلي وفرض تعريفات جمركية جديدة لحماية الاقتصاد الأمريكي، متجاهلًا التحذيرات من أن هذه الإجراءات قد تؤدي إلى ارتفاع الأسعار وتباطؤ النمو الاقتصادي. وأشاد بشركة تسلا وإيلون ماسك، الذي كان حاضرًا في القاعة، واصفًا إياه بأنه “عبقري في كشف الفساد الحكومي”.
القضايا الدولية: تحذيرات بشأن الصين ورغبة في “شراء” غرينلاند
تطرق ترامب في خطابه إلى القضايا الدولية، معربًا عن مخاوفه بشأن سيطرة الصين على قناة بنما، ومجددًا رغبته في شراء غرينلاند، قائلاً: “نحن بحاجة إلى غرينلاند لأمننا القومي والدولي. وأعتقد أننا سنحصل عليها بطريقة أو بأخرى.”
كما أعلن الرئيس الأمريكي عن اعتقال أحد المتورطين في تفجير بوابة آبي خلال الانسحاب من أفغانستان، دون تقديم مزيد من التفاصيل.
الرد الديمقراطي: خطاب هادئ ولكن حاسم
بعد خطاب ترامب، قدمت السناتور الديمقراطية إليسا سلوتكين الرد الرسمي للحزب الديمقراطي، حيث انتقدت سياسات الرئيس، محذرة من أن نهجه “المتهور” قد يجر البلاد إلى ركود اقتصادي. وأكدت أن إدارة ترامب منحت “هدايا غير مسبوقة لأصدقائه من الأثرياء”، مشيرة إلى أن سياساته التجارية أثارت حالة من القلق في الأسواق العالمية.
ترامب: “أتعرض لمعاملة أسوأ من ضحايا الانتقام الإباحي”
من بين التصريحات الأكثر إثارة للجدل في خطاب ترامب، تشبيهه للمعاملة التي يتلقاها من وسائل الإعلام بالمعاناة التي يواجهها ضحايا “الانتقام الإباحي”، وهو تصريح أثار استغراب المراقبين وسخرية بعض الديمقراطيين الذين رفعوا لافتات مكتوب عليها “كذب”.
بداية مضطربة لولاية ثانية مثيرة للجدل
لم يحمل خطاب ترامب أي سياسات جديدة، لكنه عكس بوضوح أسلوبه الاستفزازي في مخاطبة الكونغرس، حيث مزج بين الهجوم الحاد على الديمقراطيين، والمبالغة في إنجازاته، والتركيز على قضايا تثير الانقسام داخل المجتمع الأمريكي.
في ظل هذه الأجواء المشحونة، يبدو أن الفترة القادمة ستشهد مزيدًا من الاستقطاب السياسي، مع استمرار المواجهة بين ترامب والديمقراطيين في الكونغرس، وسط ترقب لما ستؤول إليه سياساته الداخلية والخارجية.