الولايات المتحدةدليلك النفسي

الخوف والصدمة النفسية يجتاحان الجاليات المهاجرة في مواجهة حملات الترحيل

بعيدًا عن لغة السياسة والأرقام، تخلف حملات الهجرة المكثفة التي تشنها إدارة ترامب تكلفة بشرية باهظة، تتمثل في موجة من الخوف والصدمة النفسية تجتاح مجتمعات المهاجرين في جميع أنحاء الولايات المتحدة. يؤكد الخبراء النفسيون أن الأثر لا يقتصر على الأفراد الذين يتم اعتقالهم أو ترحيلهم، بل يمتد ليشمل عائلاتهم وأطفالهم وجيرانهم، مما يخلق أزمة صحة نفسية صامتة ذات عواقب طويلة الأمد.

في لوس أنجلوس، التي كانت بؤرة للمداهمات الأخيرة، تصف الطبيبة النفسية ليزيت سانشيز الحالة السائدة بأنها “شعور متجدد بالخوف والحزن واليقظة المفرطة”. وتوضح أن هذا المناخ يؤثر على جوانب الحياة الأساسية، حيث يعاني الناس من صعوبات في النوم، ومستويات عالية من التوتر، ويضطرون لتغيير روتينهم اليومي خوفًا من المداهمات. والأسوأ من ذلك، أن البعض يتجنب الأماكن التي كان يشعر فيها بالأمان سابقًا أو يتردد في الوصول إلى الخدمات التي يحق له الحصول عليها، مثل الرعاية الصحية أو المساعدات الغذائية.

شرح السياق: الصدمة العابرة للأجيال و”أبونة” الأطفال

يشير الخبراء إلى أن هذه التجارب لا تولد صدمة جديدة فحسب، بل تعيد أيضًا تنشيط “الصدمة العابرة للأجيال” (Intergenerational Trauma). هذا مفهوم نفسي يصف كيف يمكن للتجارب المؤلمة التي مرت بها أجيال سابقة، مثل الحروب أو النزوح أو الاضطهاد، أن تنتقل إلى الأجيال اللاحقة. بالنسبة للعائلات التي هربت من العنف أو عدم الاستقرار في بلدانها الأصلية، فإن رؤية عملاء مسلحين يعتقلون جيرانهم يمكن أن تعيد إحياء أسوأ مخاوفهم وذكرياتهم.

اقرأ أيضًا  تفاصيل الاعتداء على السيناتور الديموقراطي أليكس باديلا خلال مؤتمر صحفي في لوس أنجلوس

ظاهرة أخرى مقلقة هي “الأبونة” (Parentification)، حيث يضطر الأطفال إلى تحمل مسؤوليات الكبار. في سياق الهجرة، غالبًا ما يتولى الأطفال، وخاصة المواطنين منهم، دور المترجمين لوالديهم أو يصبحون مسؤولين عن التعامل مع المسائل القانونية والمالية. والأخطر هو “الأبونة العاطفية”، حيث يشعر الطفل بأنه مسؤول عن الحالة النفسية لوالديه. تقول الدكتورة سانشيز إن هذا يعرض الأطفال لضغوط تفوق قدرتهم على التحمل ويمكن أن يؤدي إلى مشاكل نفسية طويلة الأمد.

الخوف يتجاوز غير الموثقين

من اللافت أن هذا الخوف لا يقتصر على المهاجرين غير الشرعيين. تؤكد سانشيز أنها تلقت رسائل من مواطنين أمريكيين من أصل لاتيني يشعرون بالخوف بسبب هويتهم. هناك شعور متزايد بأن “المواطنة قد لا تكون درعًا واقيًا”، مما يؤدي إلى قلق مزمن واضطرابات في النوم حتى بين أولئك الذين يفترض أنهم يتمتعون بالحماية القانونية الكاملة. في العائلات ذات الوضع المختلط (mixed-status households)، حيث يكون بعض أفرادها مواطنين والبعض الآخر لا، يقع عبء إضافي على المواطنين، لكن القلق والتوتر يعمان الأسرة بأكملها. إن هذا المناخ من الخوف الممنهج لا يفكك العائلات فحسب، بل يمزق النسيج الاجتماعي للمجتمعات بأكملها، ويترك ندوبًا نفسية قد تحتاج إلى أجيال للشفاء منها.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: كف عن نسخ محتوى الموقع ونشره دون نسبه لنا !