الليلة ستشهد الولايات المتحدة الأمريكية بداية العمل بالتوقيت الصيفي لعام 2025، حيث ستتقدم عقارب الساعة ساعة واحدة إلى الأمام عند الساعة الثانية صباحاً لتصبح الثالثة صباحاً. يأتي هذا التغيير في الأحد الثاني من شهر مارس كما جرت العادة منذ سنوات، ويستمر العمل به حتى الأحد الأول من شهر نوفمبر. هذا التقرير يستعرض جوانب مختلفة من نظام التوقيت الصيفي، تاريخه، آلية عمله، تأثيراته، والجدل الدائر حوله في الولايات المتحدة وحول العالم.
النظام والآلية
يعتمد نظام التوقيت الصيفي على فكرة تقديم الساعة ساعة واحدة خلال فصلي الربيع والصيف للاستفادة من ساعات النهار الطويلة. تعتمد أغلب الولايات الأمريكية على مبدأ “الربيع إلى الأمام، الخريف إلى الخلف” كقاعدة لتذكر آلية التغيير. ففي الربيع، تُنقل الساعات إلى الأمام، وفي الخريف تعود إلى الوراء.
الليلة مع انقضاء الساعة الثانية صباحاً، سيفقد الأمريكيون ساعة من وقتهم حيث ستصبح الساعة فجأة الثالثة صباحاً. هذا يعني أن غالبية سكان الولايات المتحدة سيحصلون على ساعة أقل من النوم، لكنهم سيستفيدون من ساعة إضافية من ضوء النهار في المساء خلال الأشهر القادمة.
يستمر التوقيت الصيفي لمدة ثمانية أشهر تقريباً، ما يعادل 238 يوماً، قبل العودة إلى التوقيت القياسي في الأحد الأول من نوفمبر. في ذلك الوقت، ستعود الساعة للوراء من الثانية صباحاً إلى الواحدة صباحاً، مما يمنح الناس ساعة إضافية من النوم.
تاريخ التوقيت الصيفي
ظهرت فكرة التوقيت الصيفي لأول مرة في أوائل القرن العشرين، ويُنسب تطبيقها العملي الأول إلى ألمانيا خلال الحرب العالمية الأولى في عام 1916 كوسيلة لتوفير الفحم المستخدم في الإضاءة. سرعان ما تبنت دول أخرى هذه الفكرة بما فيها الولايات المتحدة التي طبقت التوقيت الصيفي لأول مرة في عام 1918.
في الولايات المتحدة، شهد تطبيق التوقيت الصيفي تغييرات عديدة عبر السنين. فبعد الحرب العالمية الأولى، ألغي العمل به على المستوى الفيدرالي، وأصبح قراراً محلياً للمدن والولايات، مما أدى إلى فوضى في جداول المواصلات والاتصالات. خلال الحرب العالمية الثانية، طُبق التوقيت الصيفي على مدار العام فيما عُرف بـ “وقت الحرب”.
في عام 1966، صدر “قانون التوقيت الموحد” الذي نظم تطبيق التوقيت الصيفي في جميع أنحاء البلاد، مع السماح للولايات بالاختيار بين اعتماده أو عدمه. ومنذ عام 2007، يبدأ التوقيت الصيفي في الأحد الثاني من مارس وينتهي في الأحد الأول من نوفمبر، بعد أن كان يبدأ في أبريل وينتهي في أكتوبر.
الولايات والمناطق المستثناة
ليست كل المناطق الأمريكية تطبق نظام التوقيت الصيفي. ولاية أريزونا (باستثناء محمية نافاجو التي تطبقه) وهاواي اختارتا البقاء على التوقيت القياسي طوال العام. كما أن أقاليم أمريكية مثل بورتوريكو وغوام وجزر العذراء الأمريكية وساموا الأمريكية وجزر ماريانا الشمالية لا تطبق التوقيت الصيفي.
سبب اختيار أريزونا عدم تطبيق التوقيت الصيفي يعود إلى طبيعتها المناخية الحارة، حيث إن إطالة فترة النهار في الصيف يمكن أن تؤدي إلى استهلاك أكبر للطاقة بسبب تشغيل أجهزة التكييف لفترات أطول. أما هاواي، فموقعها الجغرافي القريب من خط الاستواء يعني أن طول النهار وقصره لا يتغيران كثيراً على مدار العام، مما يجعل تطبيق التوقيت الصيفي أمراً غير ضروري.
فوائد وتحديات التوقيت الصيفي
يرى مؤيدو التوقيت الصيفي أنه يحقق عدة فوائد، منها توفير الطاقة من خلال تقليل الحاجة إلى الإضاءة الاصطناعية في المساء، وتشجيع الأنشطة الخارجية والسياحة نتيجة لامتداد ساعات الضوء الطبيعي. كما يشيرون إلى انخفاض معدلات الجريمة خلال ساعات النهار الممتدة، وزيادة فرص ممارسة الرياضة والنشاطات الترفيهية.
أما المعارضون فيشيرون إلى تأثيرات سلبية على الصحة ناتجة عن اضطراب إيقاع الساعة البيولوجية للجسم. تشير دراسات إلى ارتفاع معدلات النوبات القلبية والسكتات الدماغية والحوادث المرورية خلال الأيام التي تلي تغيير التوقيت، خاصة عند تقديم الساعة في الربيع. كما أن قطاعات مثل الزراعة تتأثر سلباً بتغيير التوقيت حيث تعتمد على توقيت الشمس الطبيعي وليس على الساعة.
الجدل حول جدوى توفير الطاقة مستمر أيضاً. فبينما كان ذلك الهدف الأساسي من تطبيق التوقيت الصيفي، تشير بعض الدراسات الحديثة إلى أن التوفير في الطاقة قد يكون طفيفاً أو معدوماً في ظل التقنيات الحديثة، بل قد يؤدي إلى زيادة استهلاك الطاقة في بعض المناطق بسبب استخدام التكييف والتدفئة.
المبادرات التشريعية الحديثة
في السنوات الأخيرة، تزايدت الدعوات لإنهاء ممارسة تغيير التوقيت مرتين سنوياً. قدمت العديد من مشاريع القوانين في الكونغرس الأمريكي، أبرزها “قانون حماية أشعة الشمس” (Sunshine Protection Act) الذي يهدف إلى جعل التوقيت الصيفي دائماً طوال العام. في مارس 2022، وافق مجلس الشيوخ على هذا القانون، لكنه لم يحظ بتصويت في مجلس النواب، ولم يصبح قانوناً.
عدة ولايات أمريكية مثل فلوريدا وكاليفورنيا وأوريغون وواشنطن أقرت تشريعات للبقاء على التوقيت الصيفي بشكل دائم، لكن هذه القوانين لا يمكن أن تدخل حيز التنفيذ إلا بعد تغيير القانون الفيدرالي. وفقاً للقانون الحالي، يمكن للولايات أن تختار عدم تطبيق التوقيت الصيفي والبقاء على التوقيت القياسي طوال العام، لكنها لا تستطيع تطبيق التوقيت الصيفي بشكل دائم.
الممارسات الدولية
تختلف ممارسات تطبيق التوقيت الصيفي حول العالم. الاتحاد الأوروبي كان يطبق نظاماً موحداً للتوقيت الصيفي، لكن في عام 2019 صوت البرلمان الأوروبي لصالح إنهاء تغيير التوقيت مرتين سنوياً، تاركاً للدول الأعضاء حرية اختيار البقاء على التوقيت القياسي أو الصيفي بشكل دائم. ومع ذلك، تأخر تنفيذ هذا القرار بسبب جائحة كوفيد-19 وتعقيدات التنسيق بين الدول.
في أمريكا الجنوبية، تطبق بعض الدول مثل البرازيل وتشيلي التوقيت الصيفي، لكن مواعيد التطبيق تختلف نظراً لوقوعها في نصف الكرة الجنوبي. أستراليا تطبق التوقيت الصيفي في بعض ولاياتها، فيما تبقى ولايات أخرى على التوقيت القياسي. روسيا، بعد تجارب مع تطبيق التوقيت الصيفي بشكل دائم، عادت في عام 2014 إلى تطبيق التوقيت القياسي طوال العام.
الآثار الاقتصادية
يؤثر تغيير التوقيت على قطاعات مختلفة من الاقتصاد. ففي قطاع الطاقة، رغم أن التوفير قد يكون طفيفاً على المستوى الوطني، إلا أنه يمكن أن يمثل مبالغ كبيرة في المناطق ذات الاستهلاك العالي. قطاع التجزئة يستفيد من ساعات النهار الممتدة التي تشجع التسوق، خاصة في مجالات الترفيه والرياضة والمطاعم.
في المقابل، تتكبد بعض القطاعات خسائر بسبب تغيير التوقيت. الخطوط الجوية، على سبيل المثال، تواجه تحديات في تعديل جداول الرحلات، خاصة الدولية منها، مما قد يؤدي إلى ارتباك المسافرين وإمكانية فوات الرحلات. قطاع تكنولوجيا المعلومات يضطر لتخصيص موارد لضمان تحديث الأنظمة بشكل صحيح خلال فترات التغيير.
التوقيت الصيفي والصحة
يشير خبراء الصحة إلى مجموعة من التأثيرات الصحية المرتبطة بتغيير التوقيت، خاصة عند التحول إلى التوقيت الصيفي في الربيع. فقدان ساعة من النوم يمكن أن يؤدي إلى اضطراب الإيقاع اليومي للجسم (Circadian Rhythm)، مما قد يتسبب في مشاكل النوم، وزيادة التوتر، وانخفاض التركيز والإنتاجية.
دراسات طبية أظهرت ارتفاعاً في معدلات النوبات القلبية بنسبة 24% في اليوم التالي لبدء التوقيت الصيفي. كما لوحظت زيادة في حوادث المرور والإصابات في مكان العمل خلال الأسبوع الأول بعد التغيير. لذلك ينصح الأطباء بالحصول على قسط كاف من النوم قبل ليلة التغيير، وتعديل روتين النوم تدريجياً خلال الأيام السابقة.
الليلة تبدأ الولايات المتحدة الأمريكية مرحلة جديدة من التوقيت الصيفي الذي سيستمر حتى نوفمبر المقبل. رغم ما يوفره من امتداد لضوء النهار في المساء، إلا أن الجدل حوله مستمر بين مؤيد ومعارض. قضايا الصحة العامة، توفير الطاقة، والتأثيرات الاقتصادية تشكل محاور رئيسية في هذا النقاش المتواصل.
مع تزايد المبادرات التشريعية لإلغاء ممارسة تغيير التوقيت مرتين سنوياً، يبقى السؤال: هل ستكون هذه السنة من آخر مرات التحول بين التوقيتين في الولايات المتحدة؟ أم سيستمر هذا النظام الذي أصبح جزءاً من الحياة الأمريكية منذ أكثر من قرن؟ مهما كانت الإجابة، سيواصل الأمريكيون الليلة تقليدهم المعتاد بتقديم الساعة، وتعديل توقيتهم اليومي مع التغيير الجديد.
