في قرار قضائي بالغ الأهمية وله تداعيات سياسية وقانونية واسعة، قضت المحكمة العليا في الولايات المتحدة بالإجماع يوم الجمعة بإمكانية مقاضاة منظمة التحرير الفلسطينية (PLO) والسلطة الفلسطينية في المحاكم الأمريكية من قبل مواطنين أمريكيين من ضحايا هجمات وقعت في الخارج. هذا القرار يعيد إحياء دعاوى قضائية تطالب بتعويضات بملايين الدولارات، ويمثل انتصارًا كبيرًا للضحايا وعائلاتهم، ونكسة قانونية كبيرة للقيادة الفلسطينية.
يعد هذا الحكم تتويجًا لمعركة قانونية طويلة ومعقدة، ويسلط الضوء على دور الكونغرس والمحاكم الأمريكية في تشكيل السياسة الخارجية من خلال التشريعات والقضاء. وبالنسبة للقراء من الجاليات العربية، فإن فهم هذا القرار يتطلب شرحًا لبعض المفاهيم القانونية الأساسية ودور المحكمة العليا في النظام الأمريكي.
شرح السياق القانوني: “الاختصاص القضائي الشخصي” وقانون مكافحة الإرهاب
المحكمة العليا هي أعلى سلطة قضائية في الولايات المتحدة، وقراراتها نهائية وملزمة. كانت القضية، المعروفة باسم “فولد ضد منظمة التحرير الفلسطينية” (Fuld v. Palestine Liberation Organization)، تتمحور حول مفهوم قانوني دقيق يسمى “الاختصاص القضائي الشخصي” (Personal Jurisdiction). ببساطة، هذا المفهوم يحدد ما إذا كانت محكمة معينة لديها السلطة القانونية لإصدار حكم ضد شخص أو منظمة معينة. لسنوات، جادلت منظمة التحرير الفلسطينية بأن المحاكم الأمريكية ليس لديها اختصاص قضائي عليها لأن الهجمات المعنية وقعت خارج الأراضي الأمريكية، وأن وجود مكاتب لها في واشنطن لا يكفي لإخضاعها للمقاضاة في قضايا لا تتعلق بأنشطتها في أمريكا.
لكن في عام 2019، تدخل الكونغرس الأمريكي وأقر قانونًا جديدًا يسمى “قانون تعزيز الأمن والعدالة لضحايا الإرهاب”. هذا القانون تم تصميمه خصيصًا لتغيير القواعد، حيث نص على أن أي كيان يتلقى مساعدات أمريكية أو يحتفظ بمرافق في الولايات المتحدة يوافق ضمنيًا على الخضوع لسلطة المحاكم الأمريكية في القضايا المتعلقة بالإرهاب. كان هذا القانون هو محور قرار المحكمة العليا.
قرار المحكمة وتداعياته
في حكمها الصادر يوم الجمعة، أيدت المحكمة العليا بالإجماع دستورية قانون عام 2019. ووجدت المحكمة أن القانون لا ينتهك التعديل الخامس للدستور الأمريكي الذي يضمن “الإجراءات القانونية الواجبة” (Due Process). بهذا القرار، فتحت المحكمة الباب أمام الضحايا الأمريكيين لمواصلة دعاويهم القضائية ضد منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، والتي كانت قد رُفضت في مراحل سابقة من قبل المحاكم الأدنى درجة.
الآثار المترتبة على هذا القرار كبيرة. بالنسبة للضحايا وعائلاتهم، فإنه يوفر لهم فرصة طال انتظارها لتحقيق العدالة والحصول على تعويضات مالية عن الأضرار التي لحقت بهم. أما بالنسبة لمنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، فإن القرار يضعهما في موقف قانوني ومالي صعب للغاية، حيث يواجهان الآن احتمال صدور أحكام قضائية ضدهما بتعويضات ضخمة قد تؤثر على قدرتهما على العمل. كما يثير القرار تساؤلات حول مستقبل الوجود الدبلوماسي الفلسطيني في الولايات المتحدة.