سلطت أزمة انتشار فيروس كورونا القدرة على إدارة الحكومات للأزمات، والطريقة التي اتبعتها بعض الدول في التعامل مع الوباء كانت مخيبة للآمال، وأغلبها من الدول العظمى كإيطاليا وبريطانيا وحتى أمريكا.
وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الوباء في بلاده بأنها حرب ضد عدو مرئي، ورئيس الوزراء البريطاني قال لشعبه ودعوا أحباءكم سيموت الكثيرون منكم، وإيطاليا تهاونت مع الفيروس وتأخرت في اتخاذ قرار الإغلاق، أما أمريكا فكان تعليق الرئيس الأمريكي بأن الفيروس الصيني لن يمس أمريكا.
دروس من الوباء
ومن الواضح بأن الأزمة كانت درساً للعديد من الدول، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنه تعلم الكثير خلال هذه الفترة، وأكد أن ما يحدث كان من المستحيل تخيله، كما عاهد نفسه بأن يحسب لجميع العواقب المحتملة ويبدأ باستثمارات صحية كبيرة حال انتهاء الأزمة.
في إيطاليا أيضاً دعا رئيس الوزراء السابق ماتيو رينزي إلى تشكيل لجنة للتعامل مع الكوارث في المستقبل.
وتوقع وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، هنري كيسنجر، احتمال استمرار الفوضى السياسية والاقتصادية الناجمة عن وباء الفيروس التاجي لأجيال، واعتبر أنه خطر غير مسبوق في الحجم والعالمية.
وقال: «سعادة البشر ورخاء الأمم، لا يمكن تحقيقها إلا بثقة الناس في الحكومات. وينبغي على السلطات التنبؤ بالمشاكل التي تقترب، والتغلب عليها، ثم استعادة الاستقرار».
وقال كيسنجر إنه بعد انتهاء جائحة COVID-19، ستصدر العديد من الأحكام ضد المؤسسات الحكومية وضد الحكومات نفسها، بشأن كيفية تعاطيها مع هذا الوباء وأكد أنه يجب ألا نكافح فقط ضد الفيروس التاجي، بل يجب أيضاً العمل بالفعل على إنشاء نظام عالمي لما بعد الفيروس.
رغم الوباء منافسة على القيادة العالمية
ويحتدم النقاش كثيراً حول الفائز في النظام العالم الجديد بعد كورونا، وهل سيظهر الأمريكيون أو الصينيون كقادة العالم ما بعد الفيروس التاجي.
وعلى الرغم من أن الحياة العامة في حالة جمود في أوروبا وآسيا والولايات المتحدة، إلا أن النقاش العام يتسارع وكل شيء مطروح للنقاش سواء المقارنات بين مستوى الاقتصاد أو الصحة العامة والهشاشة المكشوفة للعولمة ومستقبل الاتحاد الأوروبي والشعوبية، إذ يبدو الوباء قد تحول إلى منافسة على القيادة العالمية.
وستكون البلدان التي تستجيب بشكل فعال للأزمة هي الرابح الأكبر، في حين يسعى دبلوماسيو الدول التي فشلت بالدفاع عن تعامل حكوماتهم مع الأزمة وينتقدون النقد بشدة.
وكان تقييم مجموعة الأزمات الدولية وهي منظمة دولية غير ربحية وغير حكومية تتمثل مهمتها في منع حدوث وتسوية النزاعات الدموية حول العالم من خلال تحليلات ميدانية ومن خلال إسداء المشورة، ومقرها بلجيكا، أنه يجب على الدول أن تتحد من أجل هزيمة كوفيدـ19 بشكل أفضل، وأن الدول بحاجة إلى أن تعيد حساباتها لحماية نفسها بشكل أفضل.
ولن يختبر العالم بعد أزمة الفيروس التاجي القدرات التشغيلية للمنظمات فقط كمنظمة الصحة العالمية، بل سيختبر أيضاً الافتراضات الأساسية حول القيم والمساومات السياسية التي تدعمها الدول الليبرالية وغير الليبرالية.
من هو الرابح؟
وأشارت صحيفة الغارديان بأن الفيلسوف الكوري الجنوبي بيونغ تشول قال في إحدى مقالاته إن الدول المنتصرة في حرب الوباء هي الدول الآسيوية مثل اليابان وكوريا والصين وهونغ كونغ وسنغافورة، وجميع هذه الدول تتبع سياسية استبدادية جاءت من تقاليدها الثقافية التي تعرف بالكونفوشيوسية إذ جميع شعوبها هم الأقل تمرداً والأكثر طاعة مقارنة بأوروبا.
ويثق شعوب هذه الدول بحكوماتهم، والتزم الآسيويون بقوة بالمراقبة الرقمية في حرب الفيروس، إذ إن الاستراتيجية التي تتبعها آسيا في محاربة الوباء لم تكن مقتصرة على علماء الفيروسات والأوبئة بل كان لعلماء الشبكة العنكبوتية دور كبير.
ويتوقع الفيلسوف بيونغ أن تتمكن الصين من بيع نظامها البوليسي الرقمي كنموذج للنجاح في مواجهة الوباء بفخر كبير.
وبحسب الغارديان فإن الصين في طريقها للفوز، إذ نجحت في تغيير دورها خلال الوباء من المذنب في انتشار الفيروس إلى مخلص العالم.
كما أشار ستيفن والت وهو أستاذ في العلاقات الدولية في جامعة هارفارد أن الصين قد تكون الرابح الأكبر بحرب الوباء، وقد تتحول السلطة والنفوذ من الغرب إلى الشرق.
وأكد ستيفن أن كوريا الجنوبية وسنغافورة استجابوا للفيروس بأفضل أداء، وقد نجحت الصين في أداء جيد عقب أخطائها الأولية، بينما كانت استجابة الحكومات في أوروبا والولايات المتحدة متشككة للغاية ومن المرجح أن تضع قوة العلامة التجارية الغربية.
ويرى فرانسيس فوكوياما وهو فيلسوف واقتصادي سياسي، مؤلف، وأستاذ جامعي أمريكي، أن الخط الفاصل الرئيسي في الاستجابة الفعالة للأزمات لن يضع الأنظمة الاستبدادية من جهة والديموقراطية من جهة أخرى، ولن يكون المحدد الأساسي للأداء هو نوع النظام، بل قدرة الدولة والثقة في الحكومة.
ويجتمع العديد من الخبراء والفلاسفة على أن الخاسر الأكبر في الوقت الحالي هو الاتحاد الأوروبي.
قال نيكول جنيسوتو نائب رئيس معهد جاك ديلور إن افتقار الاتحاد الأوروبي إلى الاستعدادات وضعفه هو أمر مذهل، وأثبتت أن الصحة ليست جزءاً من كفاءاتها، كما أن فكرة الاتحاد هي أكبر وهم، حيث أول ما فعلته تلك الدول إغلاق حدودها وتكديس معداتها، وكل دولة عملت لصالحها فقط، وهو ما أكدته إيطاليا في وقت سابق.