في غضون ستة أشهر فقط، أنهت إدارة ترامب خدمات آلاف الموظفين الفيدراليين وخفّضت مليارات الدولارات من شبكات الأمان الاجتماعي عبر مشروع قانونها الشامل الذي تصفه بـ«الكبير الجميل». وفي ظل هذا النهج التقشّفي، تبنّت الإدارة هدفًا موازياً لا يقل ضخامة: تحويل أجهزة الحكومة الفيدرالية إلى منظومة اعتقال وترحيل عابرة للوكالات.
إعادة تنظيم على مستوى الدولة
رغم غياب سياسة دقيقة تميّز بين مخالفات الهجرة المدنية والمخاطر الأمنية الفعلية، أولت الإدارة إنفاذ قوانين الهجرة أولوية تتقدّم على سائر أوجه إنفاذ القانون الفيدرالي. والنتيجة كانت إعادة هيكلة عميقة لدور الحكومة المركزية وعلاقتها بسلطات الولايات والبلديات: إذ أعيد تكليف موظفين وعملاء من خمس وكالات اتحادية على الأقل، خارج دائرة الهجرة والجمارك (ICE)، لترك مهامهم الأصلية والوفاء بحصص اعتقال وترحيل غير مسبوقة.
استخدام الحرس الوطني في مهام الهجرة
على الرغم من اعتراض قيادات عسكرية محترفة، استُدعي الحرس الوطني لقمع احتجاجات ومساندة عمليات إنفاذ الهجرة، في سابقة تضع المؤسسة العسكرية في مواجهة مواطنين. وبالتوازي:
وزارة الخارجية سرّعت إلغاء التأشيرات، خصوصًا للطلبة والباحثين الأجانب.
وزارة العدل وجّهت وكلاء النيابة لإعطاء قضايا الهجرة منخفضة المخاطر أولوية على ملفات الاتجار بالمخدرات والجرائم العنيفة وغيرها.
توسيع اتفاقيات 287(g)
على المستوى المحلي، فعّلت الإدارة تعاونًا واسعًا مع إدارات الشرطة عبر اتفاقيات 287(g) المنصوص عليها في قانون الهجرة والجنسية (INA)، والتي تخوّل لوزارة الأمن الداخلي إبرام ترتيبات تمنح الشرطة سلطاتٍ تماثل سلطات عملاء ICE داخل مجتمعاتهم. وخلال ستة أشهر، ازداد عدد هذه الاتفاقيات قرابة ستة أضعاف مقارنة ببدايات إدارة بايدن، في توسّع اعتبره مراقبون غير مسبوق.
انعكاسات على السلامة العامة
تُبرّر الإدارة هذا التشدّد باسم «السلامة العامة»، ما يكرّس ـ عمليًا ـ تجريم غير المواطنين لمجرد وضعهم القانوني. لكن إعادة توجيه الموارد بهذه الصورة تُقصي أولويات السلامة التقليدية على مستوى الاتحاد والولايات والبلديات لصالح اعتقالاتٍ تطال في الغالب أشخاصًا لا يشكّلون تهديدًا، كثيرٌ منهم مساهمون فاعلون في الاقتصاد والمجتمع.
تبدّل أولويات التحقيقات الجنائية
تحقيقات الأمن الوطني لدى ICE (HSI) ـ وهي الذراع الجنائي المكلّف أصلًا بالتصدّي للاتجار بالمخدرات والبشر ـ باتت تُعطي الأفضلية لجرائم هجرةٍ بسيطة. وقد حذّر عملاء HSI سابقًا، في فبراير، من أنّ هذا التحوّل سيجبرهم على ترك قضايا شديدة الخطورة، منها: «جرائم استغلال الأطفال، الهجمات الإلكترونية ومخططات الويب المظلم المالية، شبكات تهريب الأسلحة النووية الإيرانية والصينية، الجريمة المنظمة الروسية، احتيال التجارة، وتحقيقات العقوبات».