يستعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لاتخاذ خطوة غير مسبوقة بإصدار أمر تنفيذي يهدف إلى تفكيك وزارة التعليم الأمريكية، في محاولة لتحقيق وعد انتخابي قطعه على نفسه بإعادة سلطة التعليم إلى الولايات. وتأتي هذه الخطوة بعد أيام قليلة من تثبيت ليندا مكماهون كوزيرة للتعليم من قبل مجلس الشيوخ الأمريكي يوم الاثنين الماضي، حيث كانت قد تعهدت خلال جلسات التثبيت بالعمل على تفكيك الوزارة التي ستتولى قيادتها.
خلفية الأمر التنفيذي المرتقب
كشفت وسائل إعلام أمريكية عن مسودة الأمر التنفيذي الذي يُتوقع أن يوقعه ترامب قريباً، والذي يوجه وزيرة التعليم مكماهون لاتخاذ “جميع الخطوات الضرورية لتسهيل إغلاق وزارة التعليم”. وقد كان من المتوقع أن يوقع ترامب هذا الأمر يوم الخميس 6 مارس 2025، لكن المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت نفت هذه التقارير، فيما أشارت مصادر مطلعة إلى وجود مخاوف داخل الإدارة بشأن كيفية التصدي للانتقادات المحتملة وتأثير القرار على برامج مهمة مثل برنامج الغداء المدرسي.
وتنص مسودة الأمر التنفيذي على أن “تجربة التحكم في التعليم الأمريكي من خلال البرامج والأموال الفيدرالية – والبيروقراطيين غير الخاضعين للمساءلة الذين تدعمهم هذه البرامج والأموال – قد فشلت في خدمة أطفالنا ومعلمينا وأسرنا”. كما تشير المسودة إلى أن الوزارة أنفقت “أكثر من تريليون دولار دون تحقيق أي تحسن ملموس في درجات القراءة والرياضيات للطلاب”.
عقبات قانونية وسياسية
رغم عزم الرئيس ترامب على إلغاء وزارة التعليم، إلا أن هذه الخطوة تواجه عقبات قانونية كبيرة. فالوزارة تأسست بموجب قانون صادر عن الكونغرس قبل 45 عاماً، وبالتالي لا يمكن إلغاؤها إلا بموافقة الكونغرس نفسه. وقد أقرت وزيرة التعليم مكماهون بهذه الحقيقة خلال جلسة استماع تثبيتها الشهر الماضي، حيث قالت: “نرغب في إنجاز هذا الأمر بالشكل الصحيح، وهذا يتطلب بالتأكيد إجراء من الكونغرس”.
ومن أجل إلغاء الوزارة بشكل كامل، سيحتاج الجمهوريون إلى 60 صوتاً في مجلس الشيوخ للتغلب على العرقلة التشريعية (فيليباستر) من الديمقراطيين، وهو ما لا يملكونه حالياً مع أغلبيتهم الضيقة. لذلك، يتوقع الخبراء أن تلجأ إدارة ترامب إلى إضعاف الوزارة وتقليص صلاحياتها دون إلغائها رسمياً، مع نقل بعض مهامها الرئيسية إلى وكالات فيدرالية أخرى.
دور وزارة التعليم الأمريكية
لفهم أبعاد هذا القرار، من المهم معرفة أن وزارة التعليم الأمريكية تلعب دوراً محورياً في عدة مجالات، أهمها:
– الدعم المالي للتعليم
تقوم الوزارة سنوياً بتوزيع مليارات الدولارات من التمويل الفيدرالي للمدارس والكليات، حيث يشكل هذا التمويل نحو 10% من الميزانية الإجمالية للمدارس العامة. ويركز هذا التمويل بشكل أساسي على مساعدة الطلاب الأكثر حرماناً، بما في ذلك الطلاب من الأسر منخفضة الدخل والأطفال ذوي الإعاقة.
/ إدارة القروض الطلابية
تشرف الوزارة على نظام القروض الطلابية الفيدرالية، الذي يساعد ملايين الطلاب على تمويل تعليمهم الجامعي.
-تطبيق قوانين الحقوق المدنية
تمتلك الوزارة سلطة تطبيق قوانين الحقوق المدنية الفيدرالية في المؤسسات التعليمية، مما يضمن عدم التمييز ضد الطلاب على أساس العرق أو الجنس أو الإعاقة.
-جمع البيانات والبحوث التعليمية
من خلال معهد علوم التعليم، تقوم الوزارة بجمع ومشاركة البيانات حول مختلف الموضوعات التعليمية، بما في ذلك أساليب التدريس الفعالة وتحصيل الطلاب.
خطوات بدأت بالفعل
لم تنتظر إدارة ترامب توقيع الأمر التنفيذي للبدء في تقليص أدوار وزارة التعليم، فقد اتخذت بالفعل عدة خطوات في هذا الاتجاه:
– تخفيضات في الميزانية والموظفين
قامت الإدارة بتخفيضات كبيرة في ميزانية الوزارة وتقليص عدد الموظفين. كما تم تخفيض التمويل بشكل كبير لمعهد علوم التعليم، المسؤول عن جمع ومشاركة البيانات حول المواضيع التعليمية المختلفة.
-إلغاء عقود وبرامج
قام فريق “كفاءة الحكومة” بقيادة إيلون ماسك، المستشار المقرب من ترامب، بإلغاء عقود بقيمة 900 مليون دولار وصفها بأنها “مستيقظة” (وهو مصطلح يستخدمه المحافظون للإشارة إلى مبادرات التنوع والمساواة) وغير مجدية. ومن بين البرامج الملغاة مبادرات كانت تهدف إلى تحسين مهارات الرياضيات لدى الطلاب وبرامج مصممة لمساعدة الطلاب ذوي الإعاقة.
إنهاء خدمة موظفين
أنهت إدارة ترامب خدمة العديد من الموظفين الجدد الذين كانوا في فترة الاختبار، ووضعت آخرين في إجازة مدفوعة الأجر بسبب ارتباطهم ببرامج التنوع والمساواة والشمول.
المعارضة للخطة
واجهت خطة تفكيك وزارة التعليم معارضة قوية من عدة جهات:
-نقابات المعلمين والحقوقيون
أعربت نقابات المعلمين ومنظمات الحقوق المدنية عن معارضتها الشديدة لهذه الخطة. فقد وصف راندي واينغارتن، رئيس الاتحاد الأمريكي للمعلمين، الأمر بأنه محاولة من الحكومة “للتخلي عن مسؤوليتها تجاه جميع الأطفال والطلاب والأسر العاملة”.
-المشرعون الديمقراطيون
عبر المشرعون الديمقراطيون عن قلقهم إزاء التأثير المحتمل لإلغاء الوزارة على الطلاب والآباء والمعلمين والمجتمعات في جميع أنحاء البلاد. وقد عارض جميع الديمقراطيين في مجلس الشيوخ تعيين مكماهون كوزيرة للتعليم بسبب التزامها العلني بتفكيك الوزارة.
-منظمات المجتمع المدني
حذر ديريك جونسون، رئيس الرابطة الوطنية للنهوض بالملونين (NAACP)، من أن الوزارة لا تمول المدارس العامة فحسب، بل تطبق أيضاً “قوانين الحقوق المدنية الأساسية”، مؤكداً أنها “وكالة لا يمكننا تحمل تفكيكها”.
رؤية ترامب للتعليم
تستند رؤية ترامب لتفكيك وزارة التعليم إلى فلسفته السياسية التي تدعو إلى تقليص دور الحكومة الفيدرالية وإعادة السلطة إلى الولايات. وقد عبر عن هذه الرؤية خلال اجتماع لمجلس الوزراء يوم الأربعاء، حيث قال: “نريد أن نعيد [التعليم] إلى الولايات حيث ينتمي”.
كما تعهد ترامب بقطع التمويل الفيدرالي عن المدارس والكليات التي تروج لما وصفه بـ “نظرية العرق النقدية، وجنون المتحولين جنسياً، وغيرها من المحتويات العنصرية أو الجنسية أو السياسية غير المناسبة”، ومكافأة الولايات والمدارس التي تنهي نظام حيازة المعلمين وتدعم برامج الاختيار المدرسي الشامل.
ماذا يمكن أن يحدث بعد ذلك؟
مع الصعوبات القانونية التي تواجه إلغاء الوزارة بالكامل، يتوقع خبراء السياسة التعليمية أن يسعى ترامب إلى ما يلي:
– إضعاف الوزارة
قد تختار الإدارة الإبقاء على هيكل الوزارة الأساسي مع تجريدها من كل شيء ما عدا واجباتها المحمية قانوناً.
-إعادة توزيع المسؤوليات
اقترحت مجموعات محافظة، ولا سيما مؤسسة هيريتيج، إعادة توزيع المسؤوليات من خلال نقل البرامج إلى وكالات أخرى. على سبيل المثال، يمكن نقل نظام القروض الطلابية الفيدرالية إلى وزارة الخزانة، أو نقل مكتب الحقوق المدنية إلى وزارة العدل.
-تعزيز سلطة الولايات
تتضمن خطة ترامب منح المزيد من السلطة للولايات لاتخاذ القرارات التعليمية، والتي قد تؤدي إلى اختلافات كبيرة في السياسات التعليمية من ولاية إلى أخرى.
ختامًا، تمثل خطة ترامب لإلغاء وزارة التعليم تحولاً جذرياً في السياسة التعليمية الأمريكية، وهي خطوة تعكس فلسفته المحافظة المناهضة للحكومة الفيدرالية الكبيرة. ومع ذلك، فإن الطريق إلى الإلغاء الكامل للوزارة مليء بالعقبات القانونية والسياسية، مما يجعل من المرجح أن تسعى الإدارة إلى إضعاف الوزارة وإعادة هيكلتها بدلاً من إلغائها تماماً.
وبينما يواصل ترامب جهوده لتحقيق وعده الانتخابي، تبقى مسألة كيفية تأثير هذه التغييرات على ملايين الطلاب والمعلمين والمدارس في جميع أنحاء الولايات المتحدة موضع جدل ونقاش مستمر. وفي ظل المعارضة القوية من قبل الديمقراطيين ومنظمات المجتمع المدني، من المتوقع أن تستمر المعركة حول مستقبل التعليم الأمريكي والدور المناسب للحكومة الفيدرالية فيه لفترة طويلة قادمة.