صعّدت الإدارة الأمريكية مواجهتها مع ما تعرف بـ”مدن الملاذ” – وهي المدن والولايات التي تعتمد سياسات حماية للمهاجرين غير النظاميين – عبر إجراءات تنفيذية وخطابية حادة، في إطار حملتها الأوسع للتشديد على قوانين الهجرة. ووصف الرئيس في أمر تنفيذي وقّعه هذا الأسبوع بعض مسؤولي الولايات والبلديات الذين يعرقلون تعاون الشرطة المحلية مع سلطات الهجرة الفيدرالية بأنهم يقومون بـ”تمرد غير قانوني ضد سيادة القانون الفيدرالي”. وأمر بسلسلة تدابير عقابية، من بينها محاولة قطع بعض التمويل الاتحادي عن تلك الجهات، وكذلك رفع مستوى الحماية القانونية للضباط المحليين الذين يشاركون في إنفاذ قوانين الهجرة.
واتخذت المواجهة طابعًا دراميًا الشهر الماضي عندما اعتُقلت قاضية مقاطعة في ولاية ويسكونسن بعد أن اتهمتها وزارة العدل الفيدرالية بالتستر على مهاجر غير نظامي لمساعدة هربه من قاعة المحكمة وتفادي توقيفه من عملاء الهجرة. وأثار توقيف القاضية موجة انتقادات من مشرعين ديمقراطيين ونشطاء حقوقيين، الذين حذروا من أن تواجد عناصر الهجرة في المحاكم واعتقال أشخاص داخلها سيمنع المهاجرين من الإبلاغ عن الجرائم أو الحضور للإدلاء بشهاداتهم خشية توقيفهم. ووصفت نقابة المحامين في الولاية الحادث بأنه تقويض لسيادة القانون لأن المحاكم يجب أن تبقى مكانًا آمنًا ومحايدًا للجميع بغض النظر عن وضعهم القانوني.
لكن الإدارة دافعت عن خطوة اعتقال القاضية بقوة. وأكد مدير إدارة الهجرة والجمارك أن القانون واضح في تجريم مساعدة أي شخص مقيم بشكل غير شرعي على الإفلات من الاعتقال، قائلاً: “سواء كنتِ قاضية أم غير ذلك، ستتم ملاحقتك إذا قمتِ بإيواء مهاجر مخالف… لن يتلقى أحد معاملة استثنائية”. ويعكس هذا التشدد نهج الإدارة العام في التعامل مع ملف الهجرة، حيث تسعى لفرض هيبة القانون وردع أي مسؤولي محلي يعترض سبيلها.
وفي السياق ذاته، شهد البيت الأبيض الأسبوع الماضي حدثًا غير مألوف، إذ عُرضت على حدائق مقر الرئاسة لوحات كبيرة تحوي صور وأسماء 100 شخص من المهاجرين غير النظاميين الذين تم اعتقالهم واتهامهم بجرائم خطيرة كالقتل والاغتصاب وتوزيع المخدرات. وجاءت هذه الخطوة كجزء من حملة إعلامية تهدف لتسليط الضوء على ما تقول الإدارة إنه “وجه آخر” للهجرة غير القانونية يهدد الأمن العام. وقد جدد الرئيس في كلمة أمام أنصاره هجومه على المدن التي “تأوي المجرمين”، قائلاً إن سياسات الملاذ تعرض حياة الأمريكيين للخطر وتعيق جهود الشرطة الفيدرالية.
على الجانب الآخر، لا يزال القضاء يشكل حجر عثرة أمام بعض جوانب حملة الإدارة. ففي الأسبوع الماضي أيضًا، أصدر قاضٍ اتحادي حكمًا نهائيًا بمنع الحكومة من حجب منح فيدرالية بمليارات الدولارات عن 13 ولاية ومدينة ملاذ، مؤكدًا أن محاولة الإدارة معاقبتها ماليًا غير دستورية. كما تستمر منظمات المجتمع المدني في الطعن على أوامر تنفيذية أخرى أمام المحاكم، من ضمنها أمر يشدد متطلبات اللغة الإنجليزية لسائقي الشاحنات التجارية، والذي وصفه معارضون بأنه تمييزي ضد المهاجرين العاملين في قطاع النقل.
ويرى محللون أن هذه المعركة بين البيت الأبيض و”مدن الملاذ” مرشحة للاستمرار بل والتصاعد مع اقتراب الانتخابات الرئاسية العام المقبل. فبينما تعتبر قاعدة الرئيس وحزبه الجمهوري ملف الهجرة وضبط الحدود أولوية قصوى، تسعى قيادات مدن كبرى كنيويورك ولوس أنجلوس وشيكاغو إلى حماية المهاجرين المقيمين فيها ودمجهم بعيدًا عن خطر الترحيل. ويضع ذلك سياسات الطرفين في تصادم مباشر ينقل الانقسام حول الهجرة من الكونغرس والحدود إلى قلب المحاكم والبلديات الأمريكية.