تفاصيل اللقاء التاريخي بين ترامب وممداني في البيت الأبيض

في تطور لافت، استضاف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عمدة مدينة نيويورك المنتخب زهران ممداني في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض يوم الجمعة 21 نوفمبر 2025، في أول لقاء وجهاً لوجه بينهما بعد أشهر من التبادل الحاد للانتقادات والتصريحات المتوترة.

خلفية اللقاء وأسبابه

جاء اللقاء الذي بدأ في تمام الساعة الثالثة بعد الظهر بتوقيت شرق الولايات المتحدة، بعد أسبوعين فقط من فوز ممداني الساحق في انتخابات عمودية نيويورك حيث هزم الحاكم السابق أندرو كومو بفارق تسع نقاط مئوية. وكشف ممداني أن فريقه هو الذي بادر بالتواصل مع البيت الأبيض لترتيب هذا اللقاء.

وقال ممداني في مؤتمر صحفي قبل اللقاء: “تواصل فريقي مع البيت الأبيض لترتيب هذا اللقاء لأنني سأعمل مع أي شخص لجعل الحياة أكثر قدرة على تحمل التكاليف لأكثر من 8.5 مليون شخص يسمون هذه المدينة موطنهم”.

المواضيع المطروحة للنقاش

أزمة القدرة على تحمل التكاليف

كان الموضوع الرئيسي الذي ركز عليه ممداني هو أزمة القدرة على تحمل التكاليف في نيويورك، حيث تشير الإحصائيات إلى أن واحداً من كل أربعة سكان في المدينة يعيش تحت خط الفقر. وبحسب تقرير صادر عن جامعة كولومبيا ومجموعة روبن هود المناهضة للفقر في فبراير الماضي، فإن 25% من سكان نيويورك – أي أكثر من 2 مليون شخص – يعيشون في فقر.

وأشار ممداني خلال اللقاء إلى أن النقاش عاد “مراراً وتكراراً إلى كيف يمكن أن يبدو رفع نيويوركيين من حالة الكفاح التي يعيشونها”.

السلامة العامة والأمن الاقتصادي

إلى جانب قضية القدرة على تحمل التكاليف، تناول اللقاء موضوعي السلامة العامة والأمن الاقتصادي، وهما قضيتان حيويتان لسكان نيويورك الذين صوتوا لصالح أجندة ممداني الإصلاحية.

التمويل الفيدرالي لنيويورك

كان من أبرز القضايا المطروحة على الطاولة مسألة التمويل الفيدرالي لمدينة نيويورك. وبحسب تقرير مراقب ولاية نيويورك، من المقرر أن تخصص الحكومة الفيدرالية 7.4 مليار دولار لمدينة نيويورك للسنة المالية 2026، ما يشكل حوالي 6.5% من إنفاق المدينة.

تاريخ العلاقة المتوترة بين الطرفين

اتهامات ترامب لممداني

منذ فوز ممداني في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية في يونيو 2025، شن ترامب حملة لفظية ضده، حيث وصفه بـ”الشيوعي” و”المجنون الشيوعي بنسبة 100%” و”مهووس كامل”، رغم أن ممداني يصف نفسه بأنه اشتراكي ديمقراطي وليس شيوعياً.

كما هدد ترامب بترحيل ممداني، الذي ولد في أوغندا وأصبح مواطناً أمريكياً متجنساً في عام 2018، وذلك بدون أي دليل على أن وضعه القانوني غير سليم. وقال ترامب في يوليو: “الكثير من الناس يقولون إنه هنا بشكل غير قانوني، وسننظر في كل شيء”.

رد ممداني

من جانبه، لم يتردد ممداني في مواجهة ترامب. ففي خطاب فوزه ليلة الانتخابات، خاطب ممداني الرئيس مباشرة قائلاً: “دونالد ترامب، بما أنني أعلم أنك تشاهد، لدي أربع كلمات لك: ارفع الصوت”.

ووصف ممداني إدارة ترامب بأنها “استبدادية” وقال إنه “أسوأ كابوس لدونالد ترامب” كمسلم تقدمي مهاجر.

الأجواء قبل اللقاء

تصريحات ترامب الصباحية

في مقابلة صباحية مع برنامج “برايان كيلميد شو” على راديو فوكس نيوز صباح الجمعة، أعرب ترامب عن توقعاته بأن يكون اللقاء “مدنياً تماماً” وأنهما “سيتفاهمان بشكل جيد”.

وقال ترامب: “إنه صاحب فلسفة مختلفة، إنه مختلف قليلاً. أعطيه الكثير من الفضل على الترشح. لقد أجرى حملة ناجحة، ونحن جميعاً نعلم أن الحملات ليست سهلة. لكنني أعتقد أننا سنتفاهم بشكل جيد. انظر، نحن نبحث عن نفس الشيء – نريد جعل نيويورك قوية”.

موقف ممداني

أكد ممداني يوم الخميس أنه لا يشعر بالقلق من احتمال أن يحاول ترامب إحراجه علناً خلال اللقاء. وقال: “لست قلقاً بشأن هذا اللقاء. أرى هذا اللقاء كفرصة لي لعرض قضيتي”.

وأضاف: “لدي العديد من الخلافات مع الرئيس، وأعتقد أنه يجب علينا أن نكون دؤوبين ونتابع جميع السبل وجميع الاجتماعات التي يمكن أن تجعل مدينتنا ميسورة التكلفة لكل نيويوركي. أعتزم أن أوضح للرئيس ترامب أنني سأعمل معه على أي جدول أعمال يفيد سكان نيويورك. إذا كان جدول الأعمال يضر بسكان نيويورك، فسأكون أيضاً أول من يقول ذلك”.

مجريات اللقاء

السماح للكاميرات

على الرغم من أن اللقاء كان مقرراً في البداية أن يكون مغلقاً أمام الصحافة، إلا أن ترامب – وفقاً لعادته – سمح للكاميرات بالدخول للحصول على لقطات من اللقاء، وهو ما يتماشى مع نهجه في السماح لوسائل الإعلام بالحضور في لحظة متأخرة.

التصريحات بعد اللقاء

بعد اللقاء، تحدث ممداني للصحفيين في المكتب البيضاوي قائلاً: “نحن واضحون جداً بشأن مواقفنا ووجهات نظرنا، وما أقدره حقاً في الرئيس هو أن اللقاء الذي أجريناه ركز على الهدف المشترك الذي لدينا في خدمة سكان نيويورك”.

وأضاف: “بصراحة، هذا شيء يمكن أن يحول حياة 8.5 مليون شخص يعانون حالياً في ظل أزمة تكلفة المعيشة، حيث يعيش واحد من كل أربعة في فقر”.

السياق السياسي الأوسع

تصويت الكونغرس على قرار إدانة الاشتراكية

في توقيت ملفت، وقبل ساعات من لقاء ترامب وممداني، صوت مجلس النواب الأمريكي على قرار “يدين أهوال الاشتراكية” بأغلبية 285 صوتاً مقابل 98، حيث انضم 86 ديمقراطياً إلى 199 جمهورياً في التصويت لصالح القرار.

وقال رئيس مجلس النواب مايك جونسون إن التوقيت “مصادفة سعيدة” أن يتزامن التصويت مع “لقاء العمدة الماركسي في البيت الأبيض”.

قضايا أخرى على المحك

بالإضافة إلى التمويل الفيدرالي، هناك قضايا حيوية أخرى على المحك، منها:

إنفاذ قوانين الهجرة: أعلن توم هومان، قيصر الحدود في البيت الأبيض، أن الإدارة تخطط لزيادة عمليات إنفاذ قوانين الهجرة في نيويورك. وقد تعهد ممداني بحماية حقوق جميع سكان نيويورك ودعم قوانين المدينة الملاذ.

مشاريع البنية التحتية: في 1 أكتوبر، اليوم الأول من إغلاق الحكومة، جمد البيت الأبيض 18 مليار دولار من التمويل لمشروعين للبنية التحتية في نيويورك: نفق جيتواي ومترو الأنفاق في الشارع الثاني.

التصاريح الأمنية الفيدرالية: يحتاج ممداني إلى تصريح أمني فيدرالي ليتم إطلاعه على التهديدات الإرهابية وأنشطة إنفاذ القانون الأخرى، وهي عملية يمكن للرئيس المساعدة في تسريعها.

أجندة ممداني الإصلاحية

فاز ممداني البالغ من العمر 34 عاماً بحملة انتخابية مبنية على معالجة أزمة القدرة على تحمل التكاليف، وتشمل مقترحاته:

• تجميد الإيجارات للشقق المنظمة
• إنشاء شبكة من متاجر البقالة غير الربحية التي تديرها المدينة
• توفير رعاية أطفال مجانية للآباء الذين لديهم أطفال في سن ستة أسابيع
• توفير خدمات حافلات عامة مجانية
• زيادة الضرائب على الأثرياء الذين يكسبون أكثر من مليون دولار سنوياً لتمويل البرامج الاجتماعية

ردود الفعل والتحليلات

موقف الديمقراطيين

قالت النائبة الديمقراطية ألكساندريا أوكاسيو كورتيز من نيويورك إنها “تحدثت بإيجاز شديد” مع ممداني صباح الجمعة، مشيرة إلى أنه تحدث أيضاً مع العديد من أعضاء وفد مدينة نيويورك.

وقالت أوكاسيو كورتيز للصحفيين في الكابيتول: “لقد أوضح العمدة المنتخب ممداني أنه سيلتقي بأي شخص وكل شخص لمعالجة أزمة القدرة على تحمل التكاليف في مدينة نيويورك. لذلك، أتطلع لرؤية ما سيقوله الرئيس حول ذلك”.

موقف الجمهوريين

قالت النائبة الجمهورية نيكول ماليوتاكيس من نيويورك إنه على الرغم من خلافات ترامب وممداني، فإن كونهما من سكان نيويورك يزيد من احتمالات الحصول على نتيجة أفضل بعد المحادثة وجهاً لوجه.

الأهمية الوطنية للقاء

يمثل هذا اللقاء أهمية تتجاوز حدود نيويورك، حيث يُنظر إليه على أنه اختبار لمدى استعداد الإدارة الجمهورية للتعامل مع القادة الديمقراطيين التقدميين في المدن الكبرى.

بالنسبة لممداني، يمثل اللقاء فرصة لإظهار أنه قادر على التفاوض عبر الانقسامات السياسية العميقة، وأنه مستعد للدفاع عن مصالح سكان نيويورك حتى مع خصم سياسي شرس.

أما بالنسبة لترامب، فإن الجلوس مع منافس سياسي انتقده علناً يُظهر جهداً استراتيجياً لمعالجة القضايا الحضرية وتوسيع نطاق وصوله، خاصة في ظل استطلاعات الرأي التي تُظهر أن 60% من الأمريكيين يرفضون تعامل ترامب مع الاقتصاد.

يمثل لقاء البيت الأبيض بين الرئيس دونالد ترامب وعمدة نيويورك المنتخب زهران ممداني لحظة فارقة في السياسة الأمريكية، حيث يجتمع نقيضان أيديولوجيان – رئيس جمهوري محافظ واشتراكي ديمقراطي تقدمي – في محاولة لإيجاد أرضية مشتركة لخدمة سكان أكبر مدينة في الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من أشهر من التبادل اللفظي الحاد والتهديدات المتبادلة، أظهر كلا الطرفين استعداداً للحوار، مع التركيز على القضية المشتركة المتمثلة في معالجة أزمة القدرة على تحمل التكاليف التي تؤثر على ملايين الأمريكيين.

ورغم أن من غير المرجح أن يؤدي لقاء واحد إلى حل جميع الخلافات بينهما، إلا أنه يشير إلى أن حتى الخصوم السياسيين الأشداء قد يكونون على استعداد للتعامل مع التحديات المشتركة في مناخ سياسي منقسم بشدة.

سيتولى ممداني منصبه رسمياً في الأول من يناير 2026، وسيتم الحكم على نجاح هذا اللقاء من خلال ما سيحققه من نتائج ملموسة لسكان نيويورك في الأشهر والسنوات القادمة.