في خضم الحرب الأهلية، شهدت الولايات المتحدة الأميركية خلال العام 1863 إحدى أسوأ فترات الشغب والعصيان على مر تاريخها حيث اهتزت مدينة نيويورك، العاصمة الاقتصادية للبلاد، على وقع أعمال عنف استمرت لنحو أربعة أيام وتسببت في سقوط آلاف القتلى والجرحى.
فعقب تجريم تجارة العبيد عام 1808 وفقدانهم لهذه التجارة المربحة التي درت عليهم أموالا طائلة عن طريق الميناء، رفض سكان مدينة نيويورك الحرب الأهلية الأميركية حيث تخوّف هؤلاء من إمكانية خسارتهم لتجارة القطن مع الولايات الجنوبية والتي مثّلت عام 1860 نحو 40 بالمئة من السلع الأساسية التي حطّت الرحال بميناء المدينة.
ومع اندلاع المعارك بين قوات الاتحاد والانفصاليين، حذّرت الصحف بمدينة نيويورك الأهالي من أزمة أخرى قد تحل بهم في حال وافق الرئيس الجمهوري أبراهام لنكولن على تحرير العبيد حيث نوّهت الصحف حينها لإمكانية حصول العبيد المحررين على الوظائف التي شغلها البيض سابقا وانتشار البطالة والفقر بنيويورك.
ومع إعلان الرئيس لنكولن عن تحرير العبيد خلال سبتمبر 1862، عبّر أهالي مدينة نيويورك عن سخطهم حيث رفضت الأغلبية هذا الإعلان كما استاء الجنود المتطوعون من نيويورك بقوات الاتحاد من دور الرئيس مؤكدين على تطوعهم للقتال من أجل وحدة البلاد وليس من أجل إجهاض العبودية.
ومع تزايد حاجة الاتحاد للجنود لمواصلة الحرب، مررت حكومة الرئيس أبراهام لنكولن قانون تجنيد صارم طالب كل الذكور الذين تراوحت أعمارهم بين 20 و35 سنة وغير المتزوجين الذين تراوحت أعمارهم بين 35 و45 سنة بالالتحاق بالجيش.
وقد سمح هذا القانون الجديد لكل من يقدم مبلغ 300 دولار، أي ما يعادل الدخل السنوي المتوسط للمواطن الأميركي حينها، بالبقاء ببيته كما استثنى ذوي الأصول الإفريقية من الخدمة العسكرية بسبب عدم حصولهم على الجنسية الأميركية.
وأثار قانون التجنيد الجديد موجة من الغضب والفوضى بعدد من المدن، كديترويت وبوسطن، اندلعت أعنفها بمدينة نيويورك صيف 1863. فيوم 13يوليو 1863، هاجم الآلاف من العمال البيض، كان أغلبهم من ذوي الأصول الأيرلندية، البنايات الحكومية والعسكرية وأضرموا النيران بالعديد منها وسط ذهول رجال الأمن الذين عجزوا عن احتواء أعمال الشغب بسبب قلة عددهم.
وامتدت أعمال الشغب والعنف بنيويورك لتبلغ ذوي الأصول الإفريقية بنيويورك حيث هاجم المحتجون البيض السود المقيمين بالمدينة وخاصة أولئك الذين عملوا بالميناء فخرّبوا مصالحهم وسحلوا العديد منهم بالشوارع ونكّلوا بجثثهم كما اتجهوا أيضا لمهاجمة وإحراق دار اليتامى المخصصة لذوي الأصول الإفريقية بنيويورك. وأمام تواصل غياب الأمن، لاحق المحتجون مناهضي العبودية بمدينة نيويورك ومارسوا العديد من الفظائع في حقهم.
وبينما أظهر حاكم نيويورك الديمقراطي هوراشيو سايمور (Horatio Seymour) تعاطفا مع المحتجين ومثيري الشغب، أبلغ عمدة نيويورك الجمهوري جورج أبودايك (George Opdyke) وزارة الحرب بخطورة الوضع مطالبا بإرسال الجيش وإعلان الطوارئ لإعادة الأمن للمدينة.
ويوم 16 يوليو 1863، دخل نحو 4 آلاف جندي من قوات الاتحاد نيويورك فاشتبكوا مع مثيري الشغب وتمكنوا من السيطرة على الوضع لتستعيد بذلك العاصمة الاقتصادية أمنها بعد نحو 4 أيام من العنف والشغب.
وتسببت هذه الأحداث في وفاة نحو 120 شخصا، مصادر أخرى تحدثت عن عدد قتلى تجاوز الألف، وإصابة ألفين آخرين وخسائر بملايين الدولارات فضلا عن ذلك شهدت الفترة التالية تراجعا حادا لعدد السكان من ذوي الأصول الإفريقية بنيويورك حيث فضّل كثير منهم مغادرتها نحو مناطق أخرى أكثر أمانا.