الولايات المتحدة

سياسات الترحيل الجماعي لإدارة ترامب تخلق أزمة عمالة في القطاع الزراعي الأمريكي

كشفت تقارير حديثة أن سياسات الهجرة الصارمة التي تتبعها إدارة الرئيس ترامب، والتي تشمل عمليات ترحيل جماعي وإنهاء برامج العمل القانوني لبعض المهاجرين، قد أدت إلى نقص حاد في العمالة في القطاع الزراعي الأمريكي. هذه الأزمة لا تهدد فقط إنتاج الغذاء في البلاد، بل تضع أيضاً المزارعين، الذين يشكلون قاعدة سياسية مهمة، في وضع اقتصادي صعب، مما يكشف عن تناقض جوهري بين الأهداف السياسية للإدارة والاحتياجات الاقتصادية للبلاد.

يعتمد القطاع الزراعي في الولايات المتحدة بشكل كبير على العمالة المهاجرة، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 44% من عمال المزارع في البلاد هم من غير الموثقين. وقد أدت حملات الترحيل، التي شملت أكثر من نصف مليون شخص، إلى جانب إنهاء برامج مثل الإفراج الإنساني المشروط التي كانت توفر عمالة لقطاعات مثل مصانع تعبئة اللحوم، إلى تقلص القوى العاملة بشكل كبير. وكان مسؤولو الإدارة قد توقعوا أن العمال الأمريكيين سيقبلون على سد هذه الفجوة، لكن هذا لم يحدث على أرض الواقع.

تداعيات مباشرة على المزارع

الآثار المترتبة على هذا النقص في العمالة أصبحت ملموسة في جميع أنحاء البلاد. ففي ولاية بنسلفانيا، اضطر بعض مزارعي الألبان، الذين يعتمدون بشكل كبير على العمال غير الموثقين، إلى بيع قطعانهم لعدم تمكنهم من العثور على عمال. وفي كاليفورنيا، تُركت بعض الحقول دون حصاد خلال فصل الصيف لأن العديد من العمال فضلوا البقاء في منازلهم خوفاً من مداهمات الهجرة. وزاد من تعقيد المشكلة الإغلاق الحكومي الذي بدأ في الأول من أكتوبر، والذي أدى إلى تعليق برنامج تأشيرة H-2A، وهو البرنامج الذي يسمح لأصحاب العمل الزراعيين بتوظيف عمال أجانب بشكل مؤقت، مما هدد الإنتاج الزراعي بشكل وشيك.

وتشير ماري جو دادلي، المديرة السابقة لبرنامج عمال المزارع في جامعة كورنيل، إلى أن التأثير التراكمي لهذه الإجراءات سيؤدي على الأرجح إلى تضاؤل عدد المزارع الصغيرة، والتوجه نحو المزارع الصناعية الكبيرة التي لديها القدرة على الوصول إلى العمال عبر تأشيرات العمل واستكشاف خيارات الميكنة. وقالت: «مع تزايد أعداد المحتجزين، ستفقد المزارع عمالها… إن إمكانيات المزارع العائلية الصغيرة تتلاشى بسرعة».

تناقض في سياسات الإدارة

في مواجهة هذه الأزمة، تبدو استجابة الإدارة متناقضة. فمن ناحية، تروج الإدارة لتبسيط عملية الحصول على تأشيرة H-2A، بل واقترحت وزارة العمل في 2 أكتوبر قاعدة جديدة لخفض أجور عمال H-2A، بحجة أن «النقص الحالي والوشيك في العمالة» يتطلب ذلك لتجنب نقص الغذاء. ومن ناحية أخرى، تواصل الإدارة التأكيد على هدفها الأساسي المتمثل في الترحيل الجماعي، حيث أصدر ستيفن ميلر، أحد كبار مساعدي ترامب، تعليماته لوزارة الأمن الداخلي باعتقال 3,000 شخص يومياً.

هذا التناقض يظهر بوضوح في التصريحات المتضاربة للمسؤولين. فبينما تقر وزيرة العمل، لوري شافيز-ديريمر، بأن الأمريكيين لا يرغبون في القيام ببعض هذه الوظائف، تقترح وزيرة الزراعة، بروك رولينز، أن المستفيدين من برنامج «ميديكيد» للرعاية الصحية، الذين يواجهون الآن متطلبات عمل موسعة، يمكنهم سد هذه الفجوة، وأن الهدف هو التحول نحو «الأتمتة والمشاركة الأمريكية بنسبة 100%».

يكشف هذا الوضع عن صراع أساسي بين الأيديولوجية السياسية للإدارة، التي تعطي الأولوية للترحيل، والواقع الاقتصادي الذي يعتمد فيه قطاع حيوي على العمالة المهاجرة. فالسياسات المتبعة تخلق المشكلة (نقص العمالة) التي تحاول الإدارة بعد ذلك حلها بتدابير أخرى متضاربة (مثل خفض أجور العمال الأجانب)، مما يدل على نهج غير متسق وهزيمة ذاتية في التعامل مع قضايا الهجرة والعمل.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: كف عن نسخ محتوى الموقع ونشره دون نسبه لنا !