الجالية العربية

شاب مغربي في نيويورك يتورّط في «زواج على ورق» وينقلب عليه كقضية احتيال

لم يكن «ياسين» ، الشاب المغربي الذي جاء إلى نيويورك قبل خمس سنوات، يتخيّل أن محاولة «تسوية وضعه» في أمريكا ستقلب حياته رأسًا على عقب، وتحوّله من باحث عن الاستقرار إلى متهم في قضية «زواج احتيالي» قد تكلّفه مستقبله في هذا البلد.

من تأشيرة سياحة منتهية إلى حلم الجرين كارد

وصل ياسين إلى الولايات المتحدة بتأشيرة سياحة، مثل آلاف الشبان من المغرب ودول عربية أخرى. أحبّ المدينة، ووجد عملًا بسيطًا في مطعم عربي في كوينز بنظام «كاش»، ثم انتهت مدة التأشيرة وبقي هو. مرّت السنوات، صار يعرف أن وضعه «غير قانوني»، لكن الحياة اليومية سحبته: شغل، إيجار، إرسال بعض الدولارات للأهل، وحلم الجرين كارد الذي لا يغيب عن باله. كلما سأل أحدًا من معارفه كيف «يضبط أوراقه»، كان الرد يتكرر: «مالكش حل غير جواز من أمريكية».

سمسار الزواج الصوري: «اتفاق بين طرفين»

في إحدى الليالي داخل المطعم، سمع ياسين زبونًا عربيًا في منتصف العمر يتحدث بثقة عن «خبرته» في مساعدة الشباب على الزواج من أمريكيات. بعد أيام، قدّم له أحد الأصدقاء رقم الرجل باعتباره سمسارًا «خلّى ناس كتير تاخد جرين كارد». في اللقاء الأول، جلس السمسار مع ياسين وقال له بوضوح إن الحل هو زواج مقابل مبلغ مالي: قسّم السمسار المبلغ على دفعات: عشرة آلاف دولار عند عقد القران المدني، وعشرة آلاف عند تقديم أوراق الهجرة، وخمسة آلاف بعد استلام الجرين كارد المؤقت. حذّره من الحديث مع أحد عن تفاصيل الاتفاق، وأكد له أن «الناس كلها بتعمل كده» وأنه ليس أول ولا آخر واحد.

«زوجة على الورق» وقصة تعارف مصنوعة

عرّفه السمسار على امرأة أمريكية في أواخر الثلاثينات تعاني من ديون ومشكلات مالية. جلسوا في مقهى صغير واتفقوا على كل شيء كأنه صفقة تجارية: مبلغ المال، وتوزيع الدفعات، وطبيعة العلاقة. اتفقوا على قصة تعارف جاهزة ليقولوها أمام موظف الهجرة: «تقابلنا في القطار، اتكلمنا عن المغرب ونيويورك، وبقينا أصدقاء، وبعدها قررنا نتزوج».

ولتقوية ملف الهجرة، نصحهم السمسار بالتقاط صور مشتركة في أماكن مختلفة، وفتح حساب بنكي مشترك، ووضع بعض فواتير الكهرباء والإنترنت باسم الاثنين على عنوان واحد، رغم أن ياسين لم يكن يعيش فعليًا في شقة الزوجة طوال الوقت.

مقابلة الهجرة تكشف التناقضات الصغيرة

بعد شهور من الانتظار، جاء موعد مقابلة الهجرة في مكاتب خدمات المواطنة والهجرة الأمريكية. جلس ياسين بجوار زوجته أمام موظف لا تظهر على وجهه أي تعبيرات. بدأت الأسئلة عادية ثم أصبحت أكثر دقة؛ عن أول لقاء، وتفاصيل الحياة اليومية، وعادات كل واحد منهما.

عندما سُئلت الزوجة عن مكان التعارف قالت إنه كان في «مقهى»، بينما ذكر ياسين أنهما تعارفا في القطار. لم يعرف ياسين اسم جارة الزوجة في الشقة المقابلة، رغم أنه ادّعى في الأوراق أنه يعيش معها منذ سنة. سُئل عن لون فرش السرير في غرفة النوم فلم يطابق وصف الزوجة. لم يحصلوا على قرار فوري، لكن الموظف أنهى الجلسة بجملة رسمية: «سنراجع الملف وقد نحتاج إلى معلومات إضافية».

الخلاف على المال يقلب الطاولة

بعد المقابلة بأسابيع، بدأت الخلافات بين ياسين والزوجة. هو دفع الجزء الأكبر من المبلغ ولم يحصل بعد على الجرين كارد، وهي تطالب بباقي الفلوس بحجة أنها «أدّت دورها» وذهبت إلى المقابلة وقدّمت نفسها كزوجة حقيقية. في لحظة غضب، أرسل لها رسالة نصية يقول فيها إن الزواج كان «عشان الورق»، وإنه دفع لها أكثر مما اتفقوا عليه.

لم يتخيل أن هذه الرسالة القصيرة ستصبح لاحقًا من أخطر الأدلة ضده. الزوجة، تحت ضغط ديونها وخلافاتها مع السمسار نفسه، قررت أن تخرج من اللعبة بأقل خسائر، فتواصلت مع مكتب الهجرة وقدّمت إفادة تقول فيها إنها تعرّضت للاستغلال، وإن الزواج لم يكن حقيقيًا، وإنها حصلت على أموال مقابل توقيع الأوراق والذهاب إلى المقابلة.

من رفض طلب الإقامة إلى شبهة «Marriage Fraud»

بعد فترة، وصل إلى ياسين خطاب بالبريد يتضمن رفض طلب الجرين كارد على أساس الاشتباه في زواج احتيالي، مع إشعار بإمكانية إحالة الملف إلى تحقيق أوسع في قضية «Marriage Fraud». لم يتوقف الأمر عند الرفض فقط، بل تلقى أيضًا إشعارًا بالمثول أمام قاضي الهجرة، أي بداية إجراءات ترحيل محتملة.

عندما استشار محاميًا مستقلًا هذه المرة، شرح له أن القانون الأمريكي يعامل الزواج الصوري على أنه احتيال على الحكومة، وأن العقوبة قد تصل إلى السجن والغرامة، بالإضافة إلى الترحيل ومنع العودة لفترات طويلة. وأوضح له أن رسائله النصية، والتحويلات المالية التي تثبت دفع مبالغ للزوجة، يمكن أن تُستخدم كأدلة ضده بسهولة.

من الضحية إلى المتهم: من يدفع الثمن؟

ياسين يعتبر نفسه ضحية سمسار استغلّ يأسه وحاجته إلى أوراق الإقامة، لكنه اكتشف متأخرًا أن القانون لا ينظر إلى الأمر بهذه البساطة. بمجرد دخوله في اتفاق زواج صوري وهو يعلم أن الهدف هو الحصول على الجرين كارد، أصبح شريكًا في الاحتيال من وجهة نظر السلطات، حتى لو كان هو من دفع المال وتعرّض للاستغلال.

هذه القصة تشبه عشرات القصص المتناثرة في الجاليات المغاربية والعربية عمومًا: شباب يائسون من طول الانتظار، وسماسرة يقدّمون «حلا سحريًا»، وأشخاص يحملون الجنسية الأمريكية يوافقون على دخول اللعبة مقابل المال، ثم يتحول المهاجر في النهاية إلى الحلقة الأضعف التي تتحمل النتائج القانونية.

رسالة تحذير لكل من يفكّر في «الزواج على الورق»

الهدف من هذه القصة ليس شيطنة الشباب المغاربة أو العرب، ولا اتهام جنسية بعينها، بل التحذير من الدخول في أي زواج صوري مهما بدا الطريق مغريًا أو «مجرَّبًا مع ناس قبل ذلك». سلطات الهجرة في أمريكا تملك أدوات قوية لاكتشاف التناقضات، وأي رسالة أو تحويل مالي أو تسجيل صوتي يمكن أن يتحوّل إلى دليل رسمي أمام المحقق أو القاضي.

الطريق القانوني قد يكون أطول وأصعب وأبطأ، لكنه يبقى الطريق الوحيد الآمن الذي لا يتحول في لحظة إلى كابوس. أما الزواجات الوهمية، فكل ما يبدو فيها «اختصارًا للطريق» قد يتحول بسرعة إلى اختصار للطريق نحو الترحيل، وفتح باب لا يُغلق من المشاكل القانونية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى