نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقال رأي لضابط سابق من قوات البحرية الأمريكية يدعى تيموثي كودو، خدم في العراق وأفغانستان، اعتبر فيه أنهم “ضحوا بأرواحهم من أجل كذبة”.
وقال تيموثي كودو في مقاله: “تسقط المدن الأفغانية في تتابع سريع، مثل الرجال الذين وقعوا في نيران ملتهبة”.
وأضاف: “أشاهد هذه الأخبار، في البداية لا أشعر بأي شيء، لكنني أعود في الليل مرة أخرى إلى أفغانستان.. هناك كابوس؛ العدو وأنا في أنظار بعضنا البعض، من سيطلق النار أولا؟ أنا أضغط، لكن الزناد يتجمد، مقاتل طالبان يلف أصابعه.. أستيقظ.. لقد حلمت بهذا الحلم لمدة 10 سنوات، منذ عودتي من أفغانستان، لكن الآن أشعر كما لو أنه أصبح حقيقة”.
وأكمل: “عقود من الحرب تنحل في أسابيع، وطالبان تتقدم بسرعة، تذكرني بالاحتلال الأمريكي لبغداد، هناك أوجه تشابه أخرى؛ تدخل قوات طالبان المجمعات المذهبة لحلفائنا الأفغان الفاسدين، وتتعجب من الأدلة على سنوات من المساعدة الأمريكية التي سرقها زعماؤهم الحكوميون السابقون”.
وأضاف الضابط السابق: “خلال النهار تنشغل أفكاري بالماضي.. أسمع عن فرقة عالقة على الطرف الآخر من اللاسلكي، أو تقرير عن إصابة أحد مشاة البحرية، أسمع صوت الخوف في نبرة الرقيب، دقات الساعة بينما يتدفق الدم من عنق الشاب البالغ من العمر 19 عاما، ونسارع لإرسال المروحية التي ستصل بعد فوات الأوان”.
واستطرد: “أرى تقريرا يفيد بأن السفارة الأمريكية ستتلف أعلامها الأمريكية لحرمان طالبان من انتصار دعائي، وأنا أفكر في الراية المتلألئة بالنجوم التي حلقت فوق قاعدة دوريتي القديمة، والتي تسمى حبيب، خمسة رجال ماتوا تحت هذا العلم، من أجل ماذا؟”.
وتابع: “لا تزال الصقور تدور وتصرخ، تعود الأصوات من العشرين عاما الماضية التي دفعتنا إلى الأمام إلى المعركة إلى نشرة الأخبار المسائية لتبيعنا على بقائنا.. يقول الجنرالات والأمناء والسفراء السابقون: “لم يفت الأوان بعد.. المزيد من القوات يمكن أن تصمد. . النصر قاب قوسين أو أدنى”.
وأضاف: “لكن سرعة تقدم طالبان توضح أن هذه النتيجة كانت دائما حتمية.. لم يكن للعدو سببا للتفاوض ولا سمعة بضبط النفس.. كان السؤال الوحيد المطروح على الرئيس الأمريكي، جو بايدن، هو عدد الجنود الأمريكيين الذين يجب أن يموتوا قبل حدوث ذلك، لكن إذا كانت المغادرة الآن هي القرار الصحيح لأمريكا، فهي كارثة للشعب الأفغاني الذي خذلناه”.
واستطرد: “إنها وحدتي القديمة، الكتيبة الأولى، مشاة البحرية الثامنة، التي تم إرسالها لتأمين المطار في كابل، أنا غيور، وأود أن أعطي أي شيء أعيده الآن، لإعطاء ما تبقى من تدبير كامل، ولكن هذا مستحيل، فسرعان ما علمت أن هناك سفارة احتياطية في المطار، وأن موقفنا ينهار، وتحول حديث الأسابيع إلى أيام، وأخيرا ساعات، 36 منها لإجلاء الأمريكيين الباقين”.
وأشار إلى أنه “بينما يتكشف كل هذا، هناك الكثير من الضجة حول المشاهير في حفلة عيد ميلاد الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، الستين، وهو احتفال أقيم مع انتهاء الحرب التي وسعها خلال فترة رئاسته بالعار، لكنه ليس وحيدا، كما يتحمل قادتنا العامون الآخرون المسؤولية عما حدث، ولا يوجد احتفال لأولئك منا الذين يتألمون كل يوم ويتساءلون كيف كان بإمكاننا تقديم أفضل أجزاء حياتنا لمثل هذه الكذبة”.
وقال أيضا: “كان الانهيار مفاجئا، وخروجنا سيئ للغاية، التخطيط لإجلاء الأفغان المستضعفين الذين عملوا معنا.. نحن بحاجة ماسة إلى الدول المتحالفة التي خاضت حربا معنا لتأخذهم نيابة عنا.. بضعة آلاف هنا، وبضعة آلاف هناك، أنظر عبر ميناء نيويورك إلى تمثال الحرية وأتساءل لماذا لا نرفع المصباح الخاص بنا لأولئك الذين تركتهم هذه الحرب، هل مات تمثالنا العملاق الجديد، أم ستنهض لتسديد ديونها؟ أرى في ذهني مروحية هيوي تتأرجح فوق السفارة الأمريكية في سايغون، لكن أطمئن، فكما يقولون، فإن نهاية أفغانستان ستكون مختلفة عن عام 1975، ومع ذلك، خاض آباؤنا وأجدادنا هذه المعركة وخسروها من قبل ويعرفون أفضل، حتى لو لم نفعل ذلك، هل سيعاني أطفالنا نفس الشيء؟”.
وأضاف تيموثي كودو: “هناك ما يكفي من اللوم للالتفاف حوله، بعد كل شيء، وبدون المتطوعين منا، لن يكون هناك من يخوض هذه الحروب.. أتوق إلى الظهور أمام الشاب الذي كنت أنا عليه، وأصفعه على وجهه وأطلب منه أن يأخذ مسارا مختلفا، أريد أن أقول “ستموت هناك ليس بالجسد بل بالروح”، ولكنه رحل، وسأقضي بقية حياتي وأنا أحدق في ظله”.
وأردف: “وأخيرا، هناك زملائي الأمريكيون – الجمهوريون والديمقراطيون والمستقلون على حد سواء – الذين صوتوا مرارا وتكرارا على مدى 20 عاما لهؤلاء الرؤساء وأعضاء الكونغرس لتضليلنا وإساءة إدارتنا للهزيمة.. هذا العار الوطني هو حجر رحى حول أعناقنا.. فجأة، يستقر الواقع في بؤرة التركيز.. إنها أمة أفغانستان بأكملها التي تم تحديدها.. أستطيع سماع صراخ شعبها.. وسوف أسمع حشرجة موتها قبل وقت طويل”.
واختتم كودو مقاله قائلا: “هنا في المنزل، أفق مانهاتن واضح، وبرج الحرية يتلألأ، وأمتنا تتأرجح إلى الأمام.. وصلت هذه المأساة الأمريكية إلى نهايتها.. الآن ننتظر سقوط الستارة”.