تصدرت عناوين الصحف الغربية والعربية منذ شهر، خبر وصول أول مسلمتين في مجلس النواب الأميركي، بعد فوزهما بأصوات المرشحين خلال انتخابات التجديد النصفي للمرة الأولى في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وهما “الهان عمر” مهاجرة من أصول صومالية و”رشيدة طليب” من جذور فلسطينية.
ومع هذا، وفي حضور لم يؤلف سابقاً، حملت معركة الديمقراطيين مع حليفهم من حركات الإسلام السياسي بغرض استعادة التوازن المفقود في الكونغريس الأميركي، عقب السيطرة الرئاسية للجمهوريين، الدفع بالأخوات والنساء المسلمات من أبناء الأقليات المهاجرة في الساحة الانتخابية سواء كمرشحات أو محرضات وناشطات.
وما يجمع النسوة هو مناهضة ترمب وفريقه السياسي وخياراته السياسية، خاصة السياسة الخارجية بدءاً بحصاره لإيران وعزلة الإخوان، وكل جماعات الإسلام السياسي، فكان التكتيك المعتمد لدى رعاة هؤلاء النسوة الدخول من باب الأقليات، السود والمهاجرين والمرأة بشكل عام، الناشطة الفلسطينية – الأميركية “ليندا صرصور”، ذات الجذور الإخوانية وعضو منظمة “كير” هي خير مثال على ذلك.
من هي صرصور؟
برز اسم الفلسطينية ليندا صرصور (38 عاما)، منذ أن تولى “باراك أوباما “، رئاسة الولايات المتحدة الأميركية 2008، إذ سرعان ما أصبحت وجهاً معتاداً رؤيته في البيت الأبيض فبحسب ما ذكرت: “لقد دعيت ما لا يقل عن 7 اجتماعات بالبيت الأبيض منذ إبريل 2010″، لتتوج هذه العلاقة بمنحها جائزة “بطلة التغيير” من قبل الرئيس أوباما في 2012، ولا يزال موقع التواصل الاجتماعي يحتفظ بتغريدة ترويجية سابقة لحساب وزارة الخارجية الأميركية، نشرت في يوليو 2014 جاء فيها: “شاركوا مع السيدة ليندا صرصور حول الإسلام في أميركا”.
والمفارقة “اللطيفة” أن وصف جائزة “أوباما” تأتي مشابهة لعنوان أول كتاب قام بتدريسه “أحمد ياسين” مؤسس حركة حماس الذراع العسكري لحركة الإخوان المسلمين بفلسطين، للنساء في قسم الأخوات المسلمات، وهو كتاب “الشباب والتغيير”، وذلك بحسب مسؤولة الحركة النسائية في حماس “رجاء حلبي”، وهي إحدى من تلقين الدرس مباشرة على يد زعيم حركة حماس “أحمد ياسين”.
وللتعريف بإيجاز بالناشطة الفلسطينية، فهي من مواليد 1980، في مدينة بروكلين بنيويورك، من أبوين فلسطينيين ينحدران من مدينة البيرة، شاركت مؤخراً بالعديد من الاحتجاجات والمظاهرات المناهضة لترمب، بتوظيف ورقة المرأة والأميركيين السود وقضية اللاجئين المكسيك، اختيرت لتكون رئيسة الجمعية العربية الأميركية في نيويورك، التي انشأها الفلسطيني أحمد جابر، وهي عضو في مؤسسة قطر الدولية والمسؤولة عن تمويل الجمعية، وكانت ليندا صرصور وزوجها ماهر جودة، قد خضعا للتحقيق والملاحظة الفدرالية في العام 2004 لعلاقات مشبوهة مع عناصر متطرفة، حيث فتحت شرطة نيويورك تحقيقا مع المجموعة العربية الأميركية لعلاقتهم بالإرهاب والتطرف، وخاصة علاقتهم بالإخوان وحماس.
ليندا صرصور، التي تقدم نفسها بوصفها ناشطة نسوية متعاطفة مع حقوق الأقليات والمهاجرين، ليست سوى سيدة من نساء الإخوان تربت على أدبيات الجماعة وإيديولوجيته بمراكز الشبكة الدولية للجماعة في أميركا الشمالية وكندا، فهي عندما تقف أمام الجاليات العربية والمسلمة تصبح “ناشطة إسلامية” كما وصفت نفسها في إحدى لقاءات جمعية “كير” قائلة: “أنا لست عالمة دين أو متخصصة بالإسلاميات وإنما ناشطة إسلامية”.
مناشط صرصور وحراكها مع الإخوان
أحد الأنشطة التي شاركت فيها ليندا صرصور، كان اجتماعاً سنويا للشبكة الدولية لجماعة الإخوان المسلمين في شمال أميركا وكندا في 2016، والذي استمر لـ 3 أيام 26-28 ديسمبر، نظمته الحلقة الإسلامية لأميركا الشمالية ICNA وبمشاركة من قبل رابطة الطلاب المسلمين MSA، والتي أنشأت في العام 1979 مجموعة نسائية أطلق عليها “أخوات النجاح”، وجميعها تابعة لمنظمة “كير” وهو مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية، ورئيسها الفلسطيني نهاد عوض.
إلى جانبها كان هناك اسم لافت وهي “سماح صافي أبو زيد”، المخرجة السينمائية الأردنية، وإلى جانبها شقيقها المصور “محمد أبو زيد”، المسؤولان عن إخراج وتصوير برنامج سلمان العودة “نور” الموقوف حالياً في السعودية، بحسب ما أعلنته سماح عبر حسابها في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، والتي تظهر فيه كذلك بصورة أخرى مع شقيقها إلى جانب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إضافة إلى صور متعددة خلال مشاركاتها في منتدى “الشرق” الذي يديره “وضاح خنفر” من تركيا.
ومن بين المشاركين في إلقاء الدروس، كان “سراج وهاج” والذي يصفه مناصروه برائد العمل الدعوي في نيويورك، وبطل الخدمة الاجتماعية، و”جاسر عودة” هو عضو مؤسس في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، رئيس مؤسسة مقاصد في لندن، ورئيس كرسي الشاطبي لدراسات المقاصد في كلية السلام العالمي لشمال إفريقيا، وأستاذ زائر في الدراسات الإسلامية جامعة “كارلتون” بكندا، و”جمال بدوي” عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وعضو مؤسس في منظمة “كير”، و”أسامة أبو ارشاد” وزير الخارجية التركي.
هاج الذي عبرت ليندا صرصور عن إعجابها وتأثرها به في أكثر من مناسبة، كان قد اعتقل في العام 2017، بتهمة احتجاز أطفال في ظروف سيئة في منطقة نائية بولاية نيو مكسيكو، لتدريبهم على تنفيذ إطلاق نار داخل المدارس، واتهم “وهاج” بتدريب الأطفال على استخدام بنادق داخل مبنى بمنطقة أماليا حيث عثرت الشرطة الأميركية على 11 طفلاً يتضورون جوعاً، وعثرت على سراج وبحوزته أسلحة وبنادق إلى جانب عثورهم على رفات طفل.
أما جاسر عودة العضو التأسيسي في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين لراعيه يوسف القرضاوي، فهو صاحب كتاب “تفكيك منظومات الاستبداد.. الجهاد وأكذوبة سيادة الدول” المنشور عام 2017، والذي نادى فيه الكيانات الإسلامية إلى أن تفكر بشكل استراتيجي لإعادة مفهوم الجهاد الحقيقي ومؤسساته إلى حياة الأمة، ولا يصدها عن ذلك الظرف السياسي والإعلامي الحالي مهما كان حرجا.. لابد للكيانات الإسلامية بل والإنسانية الشريفة بشكل عام أن تبدأ في التفكير في الوسائل الخشنة لكي تقضي المجتمعات الإسلامية والإنسانية نفسها على تلك العصابات وتفكك الكيانات المستبدة”.
ومما جاء فيه أيضا: “مفهوم سيادة الدول من أكبر الأكاذيب والخرافات بل الكوارث الفكرة والسياسة التي حلت بالبشرية في عصرنا، والتي تستثمرها نظم الاستبداد جيدا وتتكسب منها مكاسب هائلة على الأرض، خاصة في وأد الجهاد في الإسلام أو تشويهه لصالحهم”.
مضيفاً: “ونظم الاستبداد بكل أنواعها وسياسيوها الخبثاء بمختلف ألوانهم، ينمون هذا المفهوم الأكذوبة، ويدعمونه بالقول والفعل في كل مناسبة متاحة”.
ماذا عن إعلان “صرصور” للجهاد
من هنا، نستطيع الوصول إلى جذور دعوة الإخوانية ليندا صرصور بإعلان “الجهاد” على ترمب وإدارته، وماهية “الشريعة” التي نادت إلى تطبيقها في الولايات المتحدة، في كلمة لها خلال المأدبة السنوية التي أقامها فرع سان فرانسيسكو لمجلس العلاقات الأميركية الإسلامية “كير”، والتي ليست سوى المصطلحات الواردة ضمن قاموس الإخواني الشهير والمنظر “سيد قطب” وأبو الأعلى المودودي في “الحاكمية” و”الجاهلية”، وهو ذاته ما تنادي به التنظيمات المتطرفة كالقاعدة وداعش.
وكما جاء في نص خطاب ليندا: “إن الله ينتظر منا الوقوف في وجه هؤلاء الذين يقمعون مجتمعاتنا، ليس فقط هناك في الشرق الأوسط وفي الخارج، وإنما أيضاً هنا في الولايات المتحدة الأميركية، وهذا هو نوع من أنواع الجهاد، حيث لديكم فاشيون وعنصريون بيض وإسلاموفوبيون، يجب أن نبقى غاضبين، هؤلاء الأشخاص الذين يجلسون حالياً في البيت الأبيض، ليسوا طبيعيين، فلا تكونوا ضمن المواطنين المطبعين مع هذه الإدارة، إذا حدث شيء فظيع ستكونون أنتم المسؤولون عن ذلك”.
وأضافت: “لا خيار أمامكم إلا أن تكونوا مسيسين، انخرطوا وكونا جزءاً من المقاومة للدفاع عن حقنا في أن نكون مسلمين في الولايات المتحدة، الممانعة هي أعلى شكل للتعبير عن الوطنية في دولة كالولايات المتحدة”.
ورغم مزاعم الناشطة الإسلامية ليندا صرصور بإخراج كلمتها عن سياقاتها الذي جاء في إطار الدفاع عن حقوق الإنسان، إلا أنه وبحسب بعض المراقبين، ماهي إلا إحدى تكتيكات الإخوان ومراوغاتهم في استخدام مصطلحات الجهاد، فإن خافوا من الكلمة لما لها من ذاكرة متوترة في الذهنية الغربية، فيلجأون إلى حيلة التأويل وإعادة توظيف المصطلح في الجانب السياسي بعيداً عن شقه العسكري.
وما تروج له الناشطة ليندا صرصور، ليس ببعيد عما دعت إليه “زينب الغزالي” أشهر نساء الإخوان في العصر الحديث في كتابها “ابنتي: حب الجهاد” تقول فيه: “إن الأمة تتعرض لمحن كثيرة ولكن أشد هذه المحن هو التخلي عن تربية الجهاد وحب الموت في سبيل الله… ودورك ابنتي يكون في إيقاظ روح الجهاد وحب الشهادة في زوجك وابنتك وهذا هو دورك الذي أرجوه منك وتنتظره الأمة جمعاء”.
أما الحكم الجاهلي، والعودة به إلى مجاهدة “الطغاة “، الذي انصرفت به ليندا صرصور ولأول مرة إلى حكومة غربية وهي على وجه التحديد “إدارة ترمب” (فقط)، فهو لا يقبل التأويل في معناه الحركي الإسلاموي الحقيقي، والذي يعني الجهاد بمعنى “القتال المادي” ضد الحكام من خلال الانقلاب والثورة على الحكام، كما تضمن في أدبيات الإسلام السياسي، المنظر والمدبر لثورات ما يسمى بـ “الربيع العربي”.
وكما قالت في إحدى محادثاتها مع الجالية العربية في نيويورك عبر برنامج “سكايب” أمام عدد من أفراد الجالية العربية المسلمة: “إن ما حدث في منطقة الشرق الأوسط من ثورات منحت إلهاما للعرب في الولايات المتحدة قائلة: “بعد الربيع العربي اشتغلنا شغل ما اشتغلناه من 40 سنة سابقة، لأنه في هذا البلد حقوق وحريات ليست موجودة في البلاد العربية، فبدأنا نمارس حقوقنا هنا، شجعنا الربيع العربي للعمل السياسي أعطيتمونا الشجاعة”.
الأخوات المسلمات للإطاحة بترمب
من خلال تفاعل وتأييد كل من رئيسة الجمعية الإسلامية “انغريدماتسون” الكندية الأصل، ومن توصف بكونها (أم) “الأخوات المسلمات” في الولايات المتحدة، والتي اختارها أوباما للتحدث في حفل تنصيبه في يناير 2009 ، مع حملة “مسيرة المرأة” ضد ترمب، التي قادتها ليندا صرصور بطلة التغيير الأوبامي، والصومالية “الهان عمر” الابنة الروحية لأوباما، التي قالت في تغريدة لها في نوفمبر 2017: “شكراً لك أوباما لكونك مصدرا للإلهام والأمل والتغيير لي، دائماً كنت على فخر أن أناديك برئيسي”، إلى جانب داليا مجاهد، المدير التنفيذي لمركز جالوب للدراسات الإسلامية، اختارها أوباما مستشارة في المجلس الاستشاري للأديان، المعروفة كذلك بمناهضتها للرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، وإحدى المشاركات في الاجتماع السنوي للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين في أميركا، وبحضور ابنة الرئيس التركي سمية أردوغان، وغيرها من أسماء الأخوات المسلمات، اللاتي استضافهن أوباما على موائد البيت الأبيض.
يتبين ما جمع هؤلاء النسوة بعرابهن الرئيس الأميركي السابق أوباما، في ساحات الاحتجاج والاعتصام والمظاهرات، فمن جهة هن “مجاهدات” كما وصفت “صرصور” في وجه الطغاة، وممانعات لكل ما تأتي به السياسة الخارجية لترمب من حصار إيران ومحاربة جماعات الإسلام السياسي، وصولاً إلى اختياره السعودية بقيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان حليفاً استراتيجياً.
وثيقة إخوانية لتحقيق الخلافة في أميركا وكندا
وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى الوثيقة التي سبق وأن أفرجت عنها السلطات الأميركية في العام 2017، والتي عثر عليها من بين 5000 آلاف ورقة خاصة بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، في منزل إسماعيل البراسي، عضو الجماعة (فلسطيني الأصل وأميركي الجنسية) عقب القبض عليه في ولاية فيرجينيا الأميركية 2004 بتهمة الانتماء لحركة حماس وتقديمها كدليل إدانة أثناء محاكمته في عام 2008.
الوثيقة جاءت بعنوان “مذكرة تفسيرية للهدف الاستراتيجي للجماعة في أمريكا الشمالية”، وهي خطة مقدمة في العام 1991 من قبل محمد أكرم أمين مجلس شورى الجماعة، فيما وصفه بأنه محاولة لتفسير وشرح ما جاء في الخطة بعيدة المدى التي اعتمدها مجلس شورى الإخوان في أميركا الشمالية عام 1987، ويشير فيها إلى أن “مذكرة التمكين” تستند إلى تحقيق الهدف الاستراتيجي العام للجماعة في أميركا الشمالية، وهو إيجاد حركة إسلامية فاعلة بقيادة الإخوان تتبنى قضايا المسلمين محلياً وعالمياً وتطرح الإسلام كبديل حضاري، والهدف الثاني هو تحقيق التوطين والتمكين في أميركا الشمالية وتحديد الآليات لذلك.
وأشارت الوثيقة إلى مخطط الشبكة الدولية للإخوان المسلمين بأهمية تنفيذ خطة التوطين والتمكين لجماعة الإخوان المسلمين في أميركا الشمالية وكندا وهو “أن يكون الإسلام وحركته جزءاً من الوطن الذي يحيا فيه” وذلك بالتحول إلى مؤسسات ثابتة، وتحقيق الاستقرار لهذه المؤسسات داخل المجتمع المسلم.
وتبين المذكرة هوية عدد من المنظمات الإسلامية التي تنضوي “تحت جماعة الإخوان أو لأصدقاء الجماعة”، والتي هي وفقاً لما اطلعت عليه “العربية.نت”، جميع المنظمات التابعة لمجلس العلاقات الأميركية الإسلامية، ومما جاء في ذلك: “لدينا مؤسسة دعوية تربوية شاملة منها قسم الدعوة الإسلامية “اسنا”، ومؤسسة الدكتور جمال بدوي، والمركز الذي يديره الأخ حامد الغزالي، ومركز الدعوة الذي تسعى له لجنة الدعوة الآن للأخ شاكر السيد بالإضافة إلى جهود دعوية هنا وهناك”.
وتشرح الوثيقة بضرورة استيعاب المسلمين وكسبهم بكل فئاتهم وألوانهم في أميركا وكندا لصالح مشروع التوطين، قائلاً: “حينها لو طلبنا المال سيكون وفيرا ولو طلبنا الرجال لجاءوا صفوفا، معتبرة الوثيقة أن عمل الإخوان في أميركا الشمالية هو نوع من أنواع الجهاد العظيم في إزالة وهدم المدنية والحضارة الغربية”، بالإضافة إلى تأكيد المذكرة إنشاء قسم لـ”الأخوات المسلمات”، والذي يشمل جمعيات نسوية مركزية ومحلية، ومعاهد التدريب والتشغيل الفني، ومدارس ودور حضانة.