بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ولايته الجديدة بتنفيذ سياسات هجرة صارمة أثارت قلقًا واسعًا بين المجتمعات المهاجرة في الولايات المتحدة، حيث وقع خلال أول أسبوعين من إدارته ما لا يقل عن عشرة أوامر تنفيذية تتعلق بالهجرة، من بينها قرارات تهدف إلى ترحيل المهاجرين غير النظاميين وتعزيز الأمن الحدودي.
تعزيز الإجراءات الأمنية على الحدود
في خطوة للحد من تدفق المهاجرين، وافق الرئيس المكسيكي على نشر 10,000 جندي إضافي على الحدود مع الولايات المتحدة، وذلك كجزء من صفقة لتأجيل فرض رسوم جمركية صارمة على المكسيك. وتعد هذه الخطوة واحدة من سلسلة إجراءات تؤكد استمرار ملف الهجرة كأولوية قصوى على أجندة ترامب.
وفي هذا السياق، قام وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث بأول زيارة له إلى الحدود الأمريكية-المكسيكية، حيث تعهد ترامب بمنع عبور المهاجرين غير النظاميين. كما زارت وزيرة الأمن الداخلي، كريستي نويم، مدينة نيويورك الأسبوع الماضي للمشاركة في مداهمة نفذتها وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك (ICE)، والتي جاءت ضمن موجة من المداهمات التي شهدتها البلاد منذ تولي ترامب منصبه.
حملات اعتقال واسعة وترحيل جوي للمهاجرين
بحسب بيانات وكالة الهجرة والجمارك الأمريكية، فقد أسفرت المداهمات خلال الأيام الستة الأخيرة من الشهر عن اعتقال 5,843 شخصًا، بمعدل 973 عملية اعتقال يوميًا. وأكدت إدارة ترامب أن حملاتها تستهدف بالأساس المهاجرين المتهمين بجرائم عنيفة، إلا أن مصادر من إدارة مكافحة المخدرات (DEA) صرحت لشبكة “ABC News” بأن هناك احتمالية لوقوع اعتقالات تشمل أفرادًا آخرين غير مستهدفين مباشرة بهذه العمليات.
ولم تقتصر الإجراءات على الاعتقالات فقط، فقد بدأت الإدارة الأمريكية باستخدام طائرات عسكرية لترحيل المهاجرين غير النظاميين، كما تم نشر قوات من مشاة البحرية (المارينز) في قاعدة غوانتانامو لافتتاح مركز احتجاز للمهاجرين. وأعلن ترامب أن هذا المركز سيضم 30,000 سرير مخصص لاحتجاز “أسوأ المجرمين غير الشرعيين الذين يشكلون تهديدًا للشعب الأمريكي”، مؤكدًا أن بعض هؤلاء “سيبقون محتجزين هناك لأن بلدانهم الأصلية ترفض استقبالهم”.
تعديلات قانونية مثيرة للجدل
إلى جانب الإجراءات الأمنية، وقع ترامب على “قانون لاكن رايلي”، الذي يمنح السلطات صلاحيات أوسع لترحيل المهاجرين غير النظاميين المتهمين بارتكاب جرائم غير عنيفة. كما ألغى سياسة كانت تحد من تنفيذ عمليات الاعتقال في الأماكن الحساسة مثل المدارس والكنائس، وهو ما أثار انتقادات واسعة من المؤسسات الدينية ومنظمات المجتمع المدني.
وعلق القس إريك كروز من جمعية “كاثوليك تشاريتيز” في برونكس على هذه الإجراءات قائلًا: “علينا أن نثقف موظفينا لفهم طبيعة ما يحدث وحدود القوانين، فالوضع مقلق بلا شك”.
ردود أفعال متباينة في نيويورك
في مدينة نيويورك، دافع العمدة إريك آدامز عن المداهمات التي تستهدف المجرمين، بينما أكد في الوقت نفسه التزامه بحماية المهاجرين في الأحياء الخمسة للمدينة. غير أن بعض أعضاء مجلس المدينة، مثل المستشارة أليكسا أفيلس، طالبوا باتخاذ موقف أقوى لدعم المهاجرين، قائلين: “نريد أن نسمع من هذه الإدارة التزامًا واضحًا بحماية المهاجرين في نيويورك”.
من جهتها، أكدت شرطة نيويورك (NYPD) أنها لن تشارك في عمليات إنفاذ قوانين الهجرة المدنية، لكنها ستقدم المساعدة للسلطات الفيدرالية في اعتقال المجرمين العنيفين.
معركة قانونية متوقعة
من المتوقع أن تواجه سياسات ترامب للهجرة معارضة شديدة من حكومات المدن التي تتبنى سياسات “الملاذ الآمن”، حيث يستعد كل من عمدة نيويورك وثلاثة من رؤساء بلديات هذه المدن للإدلاء بشهاداتهم أمام لجنة الرقابة في مجلس النواب في 11 فبراير، بشأن رفضهم التعاون الكامل مع سلطات الهجرة الفيدرالية.
في ظل هذه التطورات، يبقى ملف الهجرة أحد أكثر القضايا إثارة للجدل في الإدارة الجديدة، وسط ترقب لكيفية تفاعل المحاكم والولايات مع هذه السياسات المشددة، وتأثيرها على ملايين المهاجرين المقيمين في الولايات المتحدة.