في الوقت الذي تبرر فيه إدارة ترامب حملات الترحيل الواسعة بأنها ضرورية لإنفاذ القانون وحماية العمال الأمريكيين، تكشف تقارير من قطاعات اقتصادية حيوية عن واقع مختلف تمامًا. إن المداهمات المكثفة على أماكن العمل، وخاصة في قطاعي البناء والزراعة، لا تؤدي فقط إلى تفكيك العائلات، بل تهدد أيضًا بتعطيل مشاريع كبرى، وتفاقم النقص الحاد في العمالة، وتكشف عن تناقض صارخ في قلب سياسة الإدارة.
أفادت تقارير حديثة بأن مداهمات وكالة الهجرة والجمارك (ICE) على مواقع البناء بدأت تعطل مشاريع كبرى في جميع أنحاء البلاد. ففي فلوريدا، على سبيل المثال، أدت مداهمة تم فيها اعتقال أكثر من 100 عامل غير موثق في موقع بناء جامعي إلى توقف العمل في بعض المواقع الأخرى في اليوم التالي. ويقدر بعض الخبراء أن العمال غير الموثقين يشكلون ما يصل إلى 20% من القوى العاملة في قطاع البناء، مما يجعلهم عنصرًا لا غنى عنه في هذه الصناعة التي تعاني أصلاً من نقص حاد في العمال المهرة.
شرح السياق: نقص العمالة ودور المهاجرين في الاقتصاد
“نقص العمالة” (Labor Shortage) هو مصطلح اقتصادي يعني أن عدد الوظائف الشاغرة في قطاع معين يفوق عدد العمال المتاحين والمؤهلين لشغلها. تعاني الولايات المتحدة من نقص حاد في العمالة في مجالات مثل البناء والزراعة والضيافة. يؤدي هذا النقص إلى تأخير المشاريع، وزيادة تكاليف البناء، وارتفاع أسعار السلع والخدمات للمستهلكين. تاريخيًا، لعب المهاجرون دورًا حاسمًا في سد هذه الفجوة. وقد حذرت “الرابطة الوطنية لبناة المنازل من أصل إسباني” (NAHREP) في بيان رسمي من أن ترحيل عمال البناء، سواء كانوا قانونيين أو غير موثقين، “سيضر باقتصادنا” ويفاقم أزمة الإسكان الميسور التكلفة في البلاد.
تناقض السياسة: اعتراف رئاسي بالمشكلة
يكمن التناقض الأكبر في أن الإدارة نفسها تبدو على دراية بهذه المشكلة الاقتصادية. ففي منشور لافت على وسائل التواصل الاجتماعي في 12 يونيو، أقر الرئيس ترامب بأن السياسة الحالية “تأخذ عمالًا جيدين جدًا يعملون منذ فترة طويلة” من المزارع والفنادق وصناعة الترفيه. وتعهد بتعديل الاستراتيجية “لحماية مزارعينا” مع الاستمرار في “إخراج المجرمين”. هذا الاعتراف يكشف عن صراع داخلي بين الخطاب السياسي المتشدد الذي يهدف إلى حشد القاعدة الانتخابية، والواقع الاقتصادي الذي يدرك أن قطاعات رئيسية تعتمد على العمالة المهاجرة للبقاء والنمو. حتى أن بعض أصحاب الأعمال الذين يدعمون الرئيس سياسيًا، مثل بعض المزارعين وأصحاب المطاعم، بدأوا يشكون من أن الحملة تكتسح عمالهم ذوي القيمة، وتترك وظائف حيوية شاغرة.
بالنسبة لأصحاب الأعمال الصغيرة من الجالية العربية، سواء في مجال المقاولات أو المطاعم أو الخدمات، فإن هذه السياسة تخلق حالة من عدم اليقين. إن فقدان العمال بشكل مفاجئ يمكن أن يعطل العمليات التجارية، بينما يؤدي النقص العام في العمالة إلى زيادة الأجور وصعوبة العثور على موظفين جدد، مما يضع ضغوطًا إضافية على الشركات التي هي بالفعل في وضع هش.