مجرد أن تطأ قدماك مدينة نيويورك أول ما يلفت انتباهك عربات «الهوت دوج» المنتشرة على الأرصفة فى كل مكان تفوح منها رائحة الشواء ممزوجة بأصوات غناء مصرى تارة وآيات القرآن تارة أخرى فتدرك على الفور أنهم هنا كما فى كل مكان.. ببشرة قمحية يكسوها الاجهاد والإرهاق.. يقف «محمد» على عربته ينتظر الزبائن مثل الآلاف من المصريين امتهنوا هذه الحرفة بعد وصولهم إلى مدينة المال والأعمال.
وروى محمد خريج كلية الزراعة قصته لجريدة الأخبار المصرية، قائلا إنه وصل إلى الولايات المتحدة منذ خمس سنوات ويعمل على هذه العربة لأنها كانت الأسهل بالنسبة له.. فى كل شوارع المدينة، الأغلى فى الولايات المتحدة، تقف عربات «الفود ستريت» التى يقدر عددها بحوالى 8 آلاف عربة يملك المصريون منها حوالى 7 آلاف، أغلبهم هاجروا لأرض الاحلام منذ سنوات عديدة، وفقا لأرقام بلدية نيويورك.. هذه العربات أصبحت مقصدا للقادمين الجدد الباحثين عن فرصة فى سوق مزدحم بالكفاءات والخبرات.
«نادر» وصل إلى نيويورك منذ مايزيد على 13 عاما .. ويوضح أنه يفضل هذا العمل لأنه يمنحه الحرية حيث أنه دائم السفر إلى مصر، وبالتالى فهى الأنسب له.
أما أسامة فيقول، وهو يعد نقانق الهوت دوج لأحد الزبائن، إن الوضع صعب وليس كما يتخيل البعض إن الحياة سهلة، هنا «مُلاك العربات من المصريين وغيرهم يستغلون الشباب الجدد، فيؤجرون لهم العربة والموقع بحوالى 25 ألف دولار فى السنة فى حين أن الترخيص بـ200 دولار لكل عامين. وتكلفتها 7 آلاف دولار. ولا يجرؤ أى أحد على انتزاع تلك المواقع منهم، فأضحت ملكا لهم وإن كان ذلك بشكل غير قانونى لكنه أصبح أمرا واقعا».
سلطات المدينة تمنح التراخيص الجديدة بشكل محدود وهناك قائمة انتظار تضم 3 آلاف، وهو ما يصعب مهمة القادمين الجدد، لكن المدينة تخطط لمضاعفة عدد العربات بحلول 2023، وفقا لموقع «ايتر نيويورك».. يتحدث أسامة وهو منهمك فى حركات سريعة تحفظ موقعها بين حاوية الخبز، وشواية يتلذذ الهوت دوج بلسعاتها المصحوبة بدغدغة شوكته، بينما تنتظر عبوات الصوص الحار والكاتشب والمستردة، رغبة الزبون المستمتع بالمشهد والأكل معا.. أمام عربة أصبحت معلما من معالم المدينة التى تجذب أكثر من 62 مليون سائح سنويا، وفقا لاخر الاحصاءات الرسمية.
العمل على هذه العربات يحتاج مشقة، كما روى العديد من الشباب المصريين، فهى تتطلب العمل لما يصل إلى 15 ساعة يوميا، كما تتطلب تجهيزا كبيرا قبل الوصول إلى مكان العمل. هذا بالإضافة إلى أن الدخل منها أيضا ليس كبيرا، فيضطر الشباب المصرى للعيش مع مجموعات كبيرة فى شقق صغيرة لتوفير المال لأسرهم أو لتحسين أوضاعهم.. وسط هذا الوضع هناك «شباب الحلال» .. مجموعة عربات تحمل هذا الاسم بدأت بعربة أسسها 3 مصريين فى الضاحية الخامسة بحى منهاتن الثري.. عمل هؤلاء الشباب بجد لربع قرن حتى أصبحوا علامة مميزة فى نيويورك. وتحول مشروعهم إلى علامة تجارية انتشرت فى ولايات كثيرة وتجاوزت الحدود لتصل أوروبا وآسيا وكندا ومازالت العربات الثلاث القديمة تحتفظ بمكانها ويصطف الزبائن أمامها فى طوابير للحصول على وجبتهم المفضلة.