منيرة الجمل
ذكرت صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” الأمريكية، في تقرير لها اليوم الخميس، أن دول الشرق الأوسط المتغير بشكل كبير تستعد لعهد الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب الثاني.
وعددت الصحيفة التغييرات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط في ولاية ترامب الأولى، مثل نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس وإلغاء الاتفاق النووي الدولي مع إيران، فضلا عن فرض إرادته بالأسلوب الدبلوماسي القائم على المعاملات.
ووصفت الصحيفة نهج ترامب خلال ولايته الأولى بالجرئ والمثير للجدل تجاه الشرق الأسط، حيث تحدى الإجماع الدولي وتجاهل المخاوف الفلسطينية.
وفق الصحيفة، يقول الخبراء إن هذه الاستراتيجية الصريحة قد لا تنجح خلال ولايته الثانية، خاصة وأن الاهتمام الدولي أعاد التركيز على محنة الفلسطينيين وتزايد الانتقادات لإسرائيل، مؤكدة أن الشرق الأوسط أصبح مكانًا مختلفًا تمامًا منذ ترك ترامب منصبه في عام 2021.
في السياق ذاته، أشارت الصحيفة إلى الحروب المستعرة الآن في غزة ولبنان بينما تواصل إسرائيل محاولاتها لتدمير حماس وحزب الله. وتهدد هذه الصراعات بإشعال حرب أوسع نطاقًا من شأنها أن تضع الولايات المتحدة وإسرائيل في مواجهة إيران ووكلائها.
جدير بالذكر، أن إسرائيل وإيران أطلقتا صواريخ على أراضي كل منهما في الأشهر الأخيرة وسط حشد للقوات الأمريكية في المنطقة.
ونوهت الصحيفة إلى أن الأزمات الحالية شائكة للغاية وأثبتت عدم استطاعة الرئيس الأمريكي الحالي بايدن حلها، ما دفع عدم فعاليته الدبلوماسية بعض دول الشرق الأوسط إلى إيجاد مساحة للعزاء في رئاسة ترامب الثانية.
- ترحيب الخليج بترامب
قال عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية من الإمارات: “بالنسبة للخليج، يقول الجميع مرحبًا بك مرة أخرى يا ترامب. لقد كنا ننتظرك منذ أربع سنوات، مضيفا أن عجز بايدن عن احتواء ووقف الحرب في غزة والآن لبنان جعل حكومات الخليج تراه ضعيفًا.
وأوضح: “إنهم يريدون رئيسًا قويًا في واشنطن يمكنهم الوثوق به، وقادر على تحقيق أهدافه. الشعور هنا هو” نحن نعرف من هو ترامب، ونعرف كيف نتعامل معه. وهو يعرفنا “.
لفتت الصحيفة إلى عثور ترامب، خلال ولايته الأولى، على قضية مشتركة مع العديد من حكام الشرق الأوسط،، فضلا عن تعميق العلاقات التجارية مع الخليج، أحيانًا من خلال صفقات العقارات.
وأكدت الصحيفة أن تلك المرة لن يتمكن ترامب من إحداث أية تغييرات سياسية ودبلوماسية بسبب مشاعر العرب العامة ضد إسرائيل بعد 7 أكتوبر، عندما هاجمت حماس جنوب إسرائيل، ما أسفر عن مقتل حوالي 1200 شخص وتحفيز غزو إسرائيلي لغزة تقول السلطات هناك إنه قتل ما يقرب من 44000 شخص.
بدوره، قال علي الشهابي، المعلق السعودي المقرب من الديوان الملكي: “لقد ألهبت فظائع غزة ولبنان الرأي العام، وجعلت أي تقرب دبلوماسي مع إسرائيل أكثر صعوبة”.
وأوضحت الصحيفة أن السعودية تصر على أن أي اتفاق سيكون مشروطًا بـ “مسار لا رجعة فيه” نحو إنشاء دولة فلسطينية، مستشهدة بقول ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في خطاب أمام مجلسه الاستشاري في سبتمبر الماضي: “إن المملكة لن تتوقف عن جهودها الدؤوبة لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ونؤكد أن المملكة لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل دون ذلك”.
وأبرزت الصحيفة كذلك خطاب “محمد بن سلمان” الذي ألقاه خلال قمة الدول العربية والإسلامية الشهر الجاري في الرياض، بشأن حرب غزة، حيث انتقد إسرائيل على ما وصفه بـ “الإبادة الجماعية” ضد “الشعب الفلسطيني الشقيق”.
- موقف إسرائيل
في الوقت نفسه، رأت الصحيفة أن إسرائيل ستكون أقل استعدادًا للمساومة، خاصة مع وجود ترامب في البيت الأبيض، إذا كانت ولايته الأولى هي أي مؤشر. فإلى جانب نقل السفارة الأمريكية والاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان المحتلة، دفع ترامب نحو ما يسمى “صفقة القرن”، وهي خطة سلام كانت ستترك الفلسطينيين بلا دولة وتسمح لإسرائيل بضم مساحات واسعة من الضفة الغربية المحتلة.
كما اتخذ نهجًا أكثر عدوانية مع عدو إسرائيل الإقليمي إيران، حيث انسحب من الاتفاق النووي لعام 2015، وفرض عقوبات واسعة النطاق واغتيال القائد الأعلى للبلاد، اللواء قاسم سليماني.
بحسب الصحيفة، بدا القادة الإسرائيليون مبتهجين عندما فاز ترامب في الانتخابات الأمريكية الشهر الجاري، ويبدو الآن أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يرفض فكرة الدولة الفلسطينية، على استعداد لتعزيز السيطرة على الأراضي الفلسطينية.
واحتفل وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بفوز ترامب وأمر بالاستعدادات لضم الضفة الغربية، معلنًا في العاشر من أكتوبر أن عام 2025 سيكون “عام السيادة في يهودا والسامرة” – الاسم التوراتي الذي تستخدمه إسرائيل للأراضي المحتلة.
لكن من وجهة نظر المحلل والزميل في مركز دراسات الصراع والعمل الإنساني في الدوحة بقطر “معين رباني” أنه قد يكون لدى الفلسطينيين مجال للأمل مقارنة ببايدن، مشيرا إلى أن بايدن لم يعكس أيًا من سياسات ترامب تجاه إسرائيل أو ينجح في تحقيق وقف إطلاق نار دائم – وأن ترامب قد يحاول استخدام نفوذه مع نتنياهو بطريقة أكثر قوة لإنهاء القتال.
- العرب وإيران
أبرزت الصحيفة ترحيب الزعماء العرب ذات يوم بموقف ترامب العدواني تجاه إيران، بسبب نواياها للسيطرة الإقليمية، لكن بعد توسط الصين مؤخرا في تحقيق انفراج بين السعودية وإيران أصبح الأمر مختلفا.
ودعا بن سلمان – في نفس الخطاب الذي أدان فيه حرب إسرائيل على غزة – المجتمع الدولي إلى “إجبار إسرائيل على احترام سيادة إيران وعدم مهاجمة الأراضي الإيرانية”.
- عدم الاعتماد على ترامب
بينت الصحيفة أن زعماء الخليج لا يريدون الاعتماد بشكل مفرط على الولايات المتحدة للدفاع ضد أي هجوم إيراني، بعد الهجوم الإيراني بطائرات بدون طيار وصواريخ على مجمع مصفاة النفط السعودي في بقيق في عام 2019 ورد إدارة ترامب بزيادة العقوبات الاقتصادية على إيران لكنها لم تفعل شيئًا آخر.
وقال الشهابي: “لا أحد يمانع في الضغوط الأميركية الرامية إلى إرغام إيران على التخلي عن أسلحتها النووية. ولكنهم لا يريدون أن تُستفز إيران من قبل أمريكا ثم تفقد اهتمامها بها”.
وكان ترامب أعلن مرارا وتكرارا عن نفوره من المغامرات الخارجية، مدعيا أن إدارته الأولى لم تتورط الولايات المتحدة في صراعات خارجية وأن الحرب في أوكرانيا أو غزة لم تكن لتبدأ تحت إشرافه. وقال الخبراء إنه سيكون مترددا في الدخول في حرب شاملة في المنطقة.
واختتمت الصحيفة تقريرها بكلمة المحلل القطري “معين رباني”: “نعم، لديه داعمون لحملته من إسرائيل ومن دائرة انتخابية إنجيلية، لكنه لا يريد أن يكون الرئيس الذي ـ بعد العراق وأفغانستان ـ يورط الولايات المتحدة في حرب برية أخرى في الشرق الأوسط مع إيران”.