زادت “المخالفات” التى شهدتها ولاية جورجيا خلال الانتخابات التمهيدية الأخيرة، من المخاوف من إمكانية حدوث تزوير في الانتخابات الرئاسية الأميركية، المقررة في نوفمبر المقبل، بحسب ما ورد في تقرير لموقع “صوت أميركا” حول الموضوع، وكان مسؤولو الانتخابات في الولاية قد أعلنوا رصدهم نحو ألف حالة “تصويت مزدوج”، لأشخاص صوتوا بالبريد ثم حضروا للتصويت بأنفسهم في مراكز الاقتراع، مع العلم أن “التصويت المزدوج” في العديد من الولايات، ومن بينها جورجيا، “جناية” يعاقب عليها القانون.
ورغم أن هذه المخالفات لم تؤثر على نتائج التصويت بشكل عام، دعا وزير خارجية جورجيا الجمهوري، براد رافينسبيرغر، إلى التحقيق مع المخالفين ومقاضاتهم، وتأتي هذه المخالفات وسط جدل كبير في البلاد حول مسألة تزوير أصوات الناخبين، وما إذا كانت الإجراءات الحالية كفيلة بمنع حدوث ذلك، خاصة أن اقتراع هذا العام سيشهد إقبالا كبيرا على التصويت عن طريق البريد وهو ما يثر مخاوف من حدوث تزوير.
ولا يوجد إجماع على تعريف محدد لـ”تزوير أصوات الناخبين”، وفي المجمل يشمل التزوير التصويت بشكل غير قانوني، مثل تصويت أشخاص لا يحملون الجنسية الأميركية، وشراء الأصوات، وانتحال شخصية الناخب، ويعرفه مركز برينان للعدالة في جامعة نيويورك بأنه إدلاء “الأفراد بأصواتهم على الرغم من علمهم أنهم غير مؤهلين للتصويت، في محاولة للاحتيال على نظام الانتخابات”.
الجماعات المحافظة لديها تعريف أكثر تشددا، مثل تعريف “معهد المساءلة الحكومية”، وهو مركز أبحاث شارك في تأسيسه السياسي المحافظ، ستيف بانون، ويقول إنه “تدخل غير قانوني في عملية الانتخابات، عن طريق إجراءات من بينها تزوير العناوين البريدية وتزوير عملية التسجيل في الاقتراع”.
غياب هذا الإجماع على تعريف محدد، يعني أن ما قد يراه البعض تزويرا، قد يعتبره المدافعون عن حقوق التصويت مجرد “خطأ موظف أو خطأ تم بحسن نية”، وفي تقرير “صوت أميركا”، يقول المدافعون عن حقوق التصويت إنه لا توجد أدلة كافية لدعم الحجج القائلة بحدوث تزوير في الانتخابات، وبالنسبة لانتخابات جورجيا، ربما تم حساب بعض الأصوات “خطأ” على أنها “تصويت مرتين”.
ويقول الديمقراطيون وجماعات حقوق التصويت إن تزوير الانتخابات “نادر للغاية”، لكن العديد من المنتمين للحزب الجمهوري يرون أنه أكثر انتشارا مما هو معروف، ويعتبرون أنه يقوض إرادة الناخبين الشرعيين في صناديق الاقتراع، وتتضمن قاعدة بيانات “مؤسسة التراث” المحافظة، 1296 “حالة مؤكدة (فقط) لتزوير الناخبين” من بين مئات الملايين من الأصوات التي تم الإدلاء بها منذ عام 1992. ومن بين تلك الحالات، تمت مقاضاة وإدانة 1120 شخصا، جنائيا.
لكن هانز فون سباكوفسكي، من المؤسسة، والذي كان عضوا في لجنة نزاهة الانتخابات، قال إن البيانات ليست سوى “قمة جبل الجليد”، أي أنها لا تشمل كل الحالات التي حدثت بالفعل، مشيرا إلى أن هناك الكثير من الحالات التي لا يتم الإبلاغ عنها.
تقرير “صوت أميركا” قال إنه رغم ذلك، لم تظهر أدلة ملموسة على حدوث تزوير واسع الانتشار، وعلى سبيل المثال بعد انتخابات الرئاسة عام 2016، كانت هناك مزاعم بحدوث تزوير نحو خمسة ملايين صوت، لكن لجنة نزاهة الانتخابات التي شكلت للتحقيق في الأمر لم تقدم أدلة على حدوث هذا التزوير.
وبالمثل، وجدت دراسات مستقلة متعددة، أجراها باحثون أكاديميون ووسائل إعلام، عدم وجود دليل على تزوير واسع النطاق في الانتخابات.
جاستن ليفيت، أستاذ القانون بكلية لويولا للقانون وخبير التصويت، قال إن التزوير “لا يحدث كثيرا”، وعندما يحدث يكون في مرات نادرة، “عندما يقرر شخص ما التصويت بشكل زائف أو شيء من هذا القبيل”.
ليفيت، الذي يتتبع حالات انتحال هوية الناخبين، قال “إن هذه المخالفة أيضا نادرة الحدوث”، ويقدر العدد بنحو “45 حالة” فقط منذ عام 2000، وذلك من بين أكثر من مليار ونصف مليار صوت.
تصويت الأشخاص الذين لا يحملون الجنسية الأميركية أيضا “نادر”. وفي العام الماضي، رصد مسؤولو تكساس حوالي 100 ألف شخص “غير أميركي” مسجلين في قوائم الانتخابات، وقالوا إن نحو 58 ألفا ربما صوتوا في الانتخابات خلال الـ 22 عاما الماضية، لكن الولاية أسقطت مراجعة هذه الحالات بعد طعون قانونية، وهناك أيضا مخاوف من التصويت عبر البريد في انتخابات الرئاسة عام 2020، الذي يتوقع أن يعتمد بكثافة بسبب المخاوف الصحية المتعلقة بجائحة كورونا.
وقد سمحت 46 ولاية، أي غالبية الولايات، “لجميع” الناخبين المسموح لهم بالتصويت، بالاقتراع عبر البريد، وعدلت لوائحها لتسمح بمرونة أكبر للتصويت بهذه الطريقة. وهذا التوسع لا يقتصر على انتماء حزبي معين، فهو يشمل 24 ولاية ديمقراطية، و22 ولاية جمهورية، ويقول مؤيدو الفكرة، وغالبيتهم ديمقراطيون، إن الهدف هو الحد من أخطار تفشي فيروس كورونا، في بلد هي الأكثر تضررا منه.
والتصويت عبر البريد معمول به منذ أمد طويل، لكن الجدل ثار حوله بشدة هذه المرة، نظرا لتوسيع نطاق استخدامه، والتوقعات بوصول عدد المقترعين من خلاله إلى رقم قياسي، ويجادل منتقدو الفكرة بأن التأخير في استلام بطاقات الاقتراع عبر البريد، وفرز الأصوات، من شأنه، تأخير الإعلان عن نتيجة السباق أياما أو حتى أسابيع، وليس يوم الانتخابات كما هو معهود.
وهناك مخاوف أيضا من حدوث تزوير، نظرا لأن تسليم أوراق الاقتراع يتم بعيدا عن أعين الجمهور، وبالتالي تزداد فرص سرقة هوية الناخبين، كما أن مسار إرسال الناخبين بطاقات الاقتراع لفرزها، ليس بمستوى أمان الاقتراع الشخصي التقليدي، وكان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قد أعلن مرارا رفضه التصويت بهذه الطريقة، محذرا من نتائج “كارثية”، وحذر وزير العدل الأميركي، وليام بار، من أن هذا النوع من التصويت يفتح المجال أمام “التزوير وإجبار الناخبين على الاقتراع”، مضيفا أنه “أمر متهور، وخطير، ولعب بالنار”.
الرئيس الأميركي، كان قد أشار ضمن مبررات رفضه، لهذه الطريقة، إلى مخاوفه من تأخر وصول بطاقات الاقتراع، واستشهد بانتخابات تمهيدية، أجريت بولاية نيويورك، شهدت تأخيرا طويلا في إعلان نتائج عدد من الدوائر بسبب عدم الانتهاء من عمليات عد البطاقات البريدية.
المدافعون عن حقوق التصويت يقولون، في المقابل، إن التصويت عن طريق البريد ليس أقل أمانا، وهناك خمس ولايات، هي كولورادو وهاواي وأوريغون ويوتا وواشنطن، لديها تجارب ناجحة في اعتماد التصويت عبر البريد بشكل أساسي، “إذ لم يحدث سوى عدد قليل من حالات التصويت المزدوج أو انتحال شخصية الناخبين”.
مركز برينان قال في تقرير حديث: “على الرغم من الزيادة الهائلة في التصويت بالبريد عبر الزمن، تظل معدلات التزوير ضئيلة جدا… ولم تتعرض أي من الولايات الخمس التي أجرت انتخاباتها بالبريد، بشكل أساسي، إلى أي فضائح تزوير”.