الولايات المتحدة

محكمة فدرالية توقف قرار إدارة ترامب بتقييد رخص قيادة الشاحنات للمهاجرين

أصدرت محكمة استئناف فدرالية في العاصمة واشنطن قرارًا بوقف تنفيذ قواعد جديدة أقرّتها وزارة النقل الأميركية (DOT) في سبتمبر الماضي، كانت تهدف إلى تقييد منح رخص القيادة التجارية (Commercial Driver’s License – CDL) لفئات محدودة من المهاجرين فقط. ويعني هذا القرار أن القواعد الجديدة لا يمكن تطبيقها في الوقت الحالي، وأن معظم السائقين المهاجرين يمكنهم الاستمرار في العمل بالشاحنات والحافلات وفق النظام القديم إلى حين حسم الدعوى قضائيًا.

ما الذي قررته المحكمة الفدرالية بالضبط؟

المحكمة الفدرالية في دائرة العاصمة واشنطن (D.C. Circuit) قضت، يوم الخميس 13 نوفمبر 2025، بوقف تنفيذ القواعد الجديدة التي أعلنتها وزارة النقل، معتبرة أن الحكومة الفدرالية لم تلتزم بالإجراءات القانونية الواجبة عند صياغة هذه القواعد، ولم تُقدِّم تفسيرًا مقنعًا لكيف يمكن أن تؤدي هذه القيود إلى تعزيز السلامة على الطرق.

القضاة استندوا كذلك إلى بيانات الإدارة الفدرالية لسلامة الناقلين على الطرق السريعة (Federal Motor Carrier Safety Administration – FMCSA)، التي تُظهر أن المهاجرين يمتلكون حوالى 5٪ من إجمالي رخص القيادة التجارية في الولايات المتحدة، لكنهم لا يشكلون سوى نحو 0.2٪ من الحوادث المرورية المميتة المرتبطة بسائقي الشاحنات، وهو ما يناقض الادعاء بأن هذه الفئة تمثل خطرًا استثنائيًا على السلامة العامة.

ما هي القواعد الجديدة التي حاولت وزارة النقل فرضها؟

القواعد التي جمّدتها المحكمة كانت جزءًا من سياسة مشددة دفعتها إدارة الرئيس دونالد ترامب بعد حادث مميت في ولاية فلوريدا، وأُعلنت رسميًا في سبتمبر 2025. جوهر هذه القواعد هو حصر أهلية الحصول على رخصة قيادة تجارية جديدة في المهاجرين الحاصلين على ثلاث فئات محددة من التأشيرات فقط:

  • تأشيرة H-2A: للعمال الزراعيين المؤقتين.
  • تأشيرة H-2B: للعمال غير الزراعيين المؤقتين.
  • تأشيرة E-2: للمستثمرين الذين يضخّون رأس مال في مشروع داخل الولايات المتحدة.

ووفق هذه القواعد، تُصدر رخصة القيادة التجارية لمدة لا تتجاوز عامًا واحدًا، أو حتى تاريخ انتهاء الفيزا أيهما أقرب، مع إلزام الولايات بالتحقق من الوضع القانوني للمتقدّم عبر قاعدة بيانات فدرالية قبل إصدار أو تجديد الرخصة. كما قدّرت وزارة النقل أن نحو 10 آلاف فقط من أصل 200 ألف سائق من غير المواطنين يحملون رخص قيادة تجارية حاليًا سيبقون مؤهلين وفق هذه القيود الجديدة، بينما سيُستبعد الباقون عند تجديد رخصهم.

كان من المقرر أن تُطبَّق هذه القواعد على الإصدارات والتجديدات الجديدة فقط، بحيث يحتفظ نحو 190 ألف سائق مهاجر برخصهم الحالية حتى موعد انتهاء صلاحيتها، قبل أن تغيّر المحكمة مسار الأمور مؤقتًا بقرار التجميد الأخير.

حادث فلوريدا: الشرارة التي أشعلت المعركة

جاءت هذه القواعد المتشددة بعد حادث مروّع شهدته ولاية فلوريدا على الطريق السريع (Florida Turnpike)، حيث اتُّهم سائق شاحنة هندي، يُدعى هارجيندر سينغ، بدخول الولايات المتحدة بطريقة غير نظامية عبر الحدود مع المكسيك عام 2018، ثم التسبب في مصرع ثلاثة أشخاص بعد قيامه بانعطاف غير قانوني (U-turn) أدى إلى اصطدام شاحنة القطر بمركبة صغيرة تقل ثلاثة ركاب لقوا حتفهم جميعًا.

سينغ حصل على رخصته التجارية من ولاية كاليفورنيا، لكن الوثائق أظهرت أنه أخفق في اختبار المعلومات النظرية الخاص برخصة القيادة التجارية في ولاية واشنطن عشر مرات خلال شهرين، وفشل مرتين في اختبار نظام فرامل الهواء، كما أخفق في اجتياز اختبار الكفاءة في اللغة الإنجليزية. هذه التفاصيل أثارت عاصفة سياسية وإعلامية، ودفعت وزارة النقل تحت قيادة وزير النقل شون دافي إلى فتح تحقيقات موسّعة في كيفية إصدار هذه الرخص للسائقين غير المواطنين، خاصة في كاليفورنيا التي أظهرت عمليات التدقيق فيها أن آلاف الرخص لا تزال سارية رغم انتهاء تصاريح العمل الخاصة بأصحابها، ما دفع الولاية إلى إلغاء 17 ألف رخصة قيادة تجارية بعد المراجعة.

البيانات تقول شيئًا… والخطاب السياسي يقول شيئًا آخر

في الوقت الذي استخدمت فيه الإدارة حادث فلوريدا لتبرير تشديد القيود على المهاجرين، تشير البيانات الرسمية لهيئة FMCSA إلى أن المهاجرين، رغم أنهم يشكلون حوالي 5٪ من حاملي رخص القيادة التجارية، لا يتسببون إلا في نسبة صغيرة جدًا (نحو 0.2٪) من الحوادث المميتة المرتبطة بالشاحنات، ما يثير تساؤلات حول مدى منطقيّة استهداف هذه الفئة تحديدًا بسياسة عامة جديدة.

من جهة أخرى، رحبت جهات تمثل بعض سائقي الشاحنات مثل جمعية مالكي ومشغلي الشاحنات المستقلين (Owner-Operator Independent Drivers Association – OOIDA) بالقواعد الجديدة، ووصفتها بأنها خطوة لاستعادة «معايير السلامة المنطقية»، معتبرة أن ما تصفه بـ«سوء استخدام برامج التأشيرات» و«ارتفاع أعداد حاملي الرخص غير المقيمين (non-domiciled CDLs)» أدّى إلى دخول سائقين غير مؤهلين إلى سوق النقل بالشاحنات. وترى هذه الجهات أن تشديد معايير الترخيص والتدريب سيمنع السائقين الخطِرين من الوصول إلى عجلة القيادة من الأساس.

ماذا يعني القرار بالنسبة للمهاجرين وسوق العمل في الشاحنات؟

على المدى القصير، يعني قرار المحكمة أن القواعد التي أُعلنت في سبتمبر لن تُطبَّق في الوقت الحالي، وأن السائقين المهاجرين – سواء من الحاصلين على رخص قائمة أو المتقدمين الجدد – سيبقون خاضعين للنظام السابق، إلى حين انتهاء نظر الدعوى أو صدور تشريع من الكونغرس يُكرّس هذه القيود في القانون. هناك بالفعل مشروع قانون في الكونغرس يسعى إلى ترسيخ هذه السياسة بشكل دائم، ما ينقل المعركة من ساحات المحاكم إلى ساحة التشريع.

القرار يكتسب أهمية خاصة للجاليات المهاجرة التي تعتمد على قيادة الشاحنات كأحد أهم مصادر العمل المتاحة بدون اشتراط شهادات جامعية، حيث تمنحهم رخصة القيادة التجارية فرصة الوصول إلى وظائف ذات دخل أعلى نسبيًا في قطاع النقل البري. وبالنسبة لسوق العمل، يرى منتقدو القيود أن استبعاد عشرات الآلاف من السائقين المؤهلين سيؤدي إلى نقص في العمالة في بعض الولايات، وارتفاع في تكاليف النقل، وربما تأثيرات غير مباشرة على سلاسل الإمداد، بينما تصر الإدارة وحلفاؤها على أن السوق يعاني أصلًا من «فائض في الطاقة» وليس من نقص في السائقين.

كاليفورنيا في قلب المواجهة… و40 مليون دولار معلّقة

وزير النقل شون دافي صعّد المواجهة مع ولاية كاليفورنيا، متهمًا إياها بعدم الالتزام بمتطلبات التحقق من الوضع القانوني للسائقين، وبالتهاون في تطبيق اشتراطات اللغة الإنجليزية على سائقي الشاحنات. وقررت وزارة النقل تعليق 40 مليون دولار من التمويل الفدرالي للولاية إلى أن تثبت أنها تطبّق اختبارات اللغة الإنجليزية خلال الفحوصات على الطرق، وتُقصي من يفشل في هذه الاختبارات من القيادة. كما هدّد الوزير بسحب 160 مليون دولار إضافية إذا لم تُلغِ الولاية كل الرخص «غير القانونية» وتعالج أوجه القصور في نظامها.

من جانبها، تؤكد سلطات كاليفورنيا أنها التزمت بالتوجيهات التي حصلت عليها من وزارة الأمن الداخلي (DHS) بخصوص إصدار الرخص لغير المواطنين، وأن إلغاء 17 ألف رخصة مؤخرًا جاء نتيجة تدقيق داخلي في ضوء القواعد القائمة، وليس تنفيذًا للقيود الجديدة التي أوقفتها المحكمة.

خلاصة: معركة أوسع حول الهجرة والسلامة والاقتصاد

قرار المحكمة لا يُنهي المعركة القانونية والسياسية، لكنه يبعث برسالة واضحة للحكومة الفدرالية بأنه لا يكفي استخدام حادث مروّع لتبرير سياسة عامة واسعة تؤثر في مئات الآلاف من العمال المهاجرين دون سند إجرائي متين ودراسة كافية للبيانات. في المقابل، تستمر إدارة ترامب وحلفاؤها في الضغط لتشديد القيود على رخص القيادة للمهاجرين، وربطها بمخاوف السلامة على الطرق وبالجدل الأوسع حول الهجرة والحدود وسوق العمل في الولايات المتحدة.

بالنسبة للجاليات العربية وغيرها من الجاليات المهاجرة، خصوصًا من يعملون في قطاع الشاحنات أو يفكرون في دخوله، يظلّ هذا الملف مفتوحًا وقابلًا للتغيّر خلال الشهور المقبلة، سواء بقرارات قضائية جديدة أو بقانون يصدر من الكونغرس، ما يجعل متابعة التطورات القانونية والتنظيمية مسألة حيوية لكل من يعتمد على رخصة القيادة التجارية كمصدر رزق رئيسي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: كف عن نسخ محتوى الموقع ونشره دون نسبه لنا !