تعرض محمود خليل، الناشط وخريج جامعة كولومبيا، للاعتقال من قبل سلطات الهجرة الفيدرالية الأمريكية مساء السبت 8 مارس 2025، في تطور يُعد تصعيداً ملموساً لوعود إدارة الرئيس دونالد ترامب بشن حملة ضد المتظاهرين المؤيدين للقضية الفلسطينية في الجامعات الأمريكية. وقد أحدث هذا الاعتقال جدلاً واسعاً في الأوساط الحقوقية والسياسية، خاصة مع تزامنه مع قرارات إدارية أخرى تستهدف الجامعات التي شهدت احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين.
من هو محمود خليل؟
ولد محمود خليل في سوريا عام 1995، وأكمل دراسته الجامعية الأولى في بيروت قبل أن ينتقل إلى الولايات المتحدة ليلتحق بجامعة كولومبيا المرموقة، حيث حصل على درجة الماجستير من كلية الشؤون الدولية والعامة في ديسمبر 2024. برز خليل كأحد الوجوه البارزة في الحركة المناهضة للحرب على غزة في جامعة كولومبيا، وكان عضواً قيادياً في مجموعة “كولومبيا ضد الفصل العنصري” (CUAD)، وهي ائتلاف طلابي يدعو الجامعة لسحب استثماراتها من إسرائيل.
لعب خليل دوراً محورياً كمفاوض رئيسي مع إدارة الجامعة خلال احتجاجات الربيع الماضي، والتي تضمنت إقامة مخيمات تضامن مع غزة في حرم الجامعة. وتشير بعض المصادر إلى أن خليل عمل لفترة قصيرة كموظف في الشؤون السياسية لدى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
تفاصيل الاعتقال والإجراءات اللاحقة
في مساء السبت، دخل عدة عملاء من وزارة الأمن الداخلي الأمريكية إلى شقة خليل الواقعة في مبنى تملكه جامعة كولومبيا. وفقاً لوثائق المحكمة الفيدرالية، كان خليل وزوجته الحامل في شهرها الثامن عائدين من منزل صديق عندما اقترب منهما رجال بملابس مدنية في بهو المبنى. بعد أن أكد خليل هويته، أعلن الرجال أنهم عملاء من وزارة الأمن الداخلي وقاموا باعتقاله.
تقول المحامية إيمي غرير، التي تمثل خليل، إن العملاء أخبروها عبر الهاتف أنهم ينفذون أمراً من وزارة الخارجية بإلغاء تأشيرة الطالب الخاصة به. وعندما أبلغتهم المحامية أن خليل يحمل البطاقة الخضراء (الإقامة الدائمة القانونية)، أجابوا بأنهم سيلغون ذلك أيضاً، دون تقديم سبب واضح. وأشارت غرير إلى أن السلطات رفضت إخبار زوجة خليل بسبب اعتقاله.
بعد اعتقاله، نُقل خليل في البداية إلى مركز احتجاز فيدرالي في إليزابيث بولاية نيوجيرسي. ولكن عندما حاولت زوجته زيارته، أُبلغت بأنه لم يعد هناك. وتشير بيانات هيئة الهجرة والجمارك إلى أن خليل نُقل لاحقاً إلى مركز احتجاز في جينا بولاية لويزيانا، مما أثار قلق المجموعات الحقوقية من أن هذا النقل يعقد دفاعه القانوني ويحد من وصوله للموارد اللازمة.
التطورات القانونية
في يوم الإثنين 10 مارس 2025، أصدر قاضٍ أمريكي أمراً مؤقتاً بمنع ترحيل خليل، في استجابة أولية للطعن القانوني الذي قدمه محاموه. وقد شرع فريق الدفاع في إجراءات قانونية لمواجهة ما وصفوه بالاعتقال غير القانوني، مشيرين إلى أن إجراءات الحكومة تمثل انتهاكاً لحقوق حرية التعبير المكفولة دستورياً.
تقول المحامية غرير: “سندافع بقوة عن حقوق محمود في المحكمة ونواصل جهودنا لتصحيح هذا الظلم الفادح والمحسوب ضده”. وتؤكد أن خليل مقيم قانوني دائم لم يُتهم أو يُدان بأي جريمة، وأن اعتقاله يمثل انتهاكاً صارخاً للتعديل الأول من الدستور الأمريكي الذي يضمن حرية التعبير.
السياق السياسي الأوسع
يأتي اعتقال خليل بعد أيام قليلة من قرار إدارة ترامب سحب 400 مليون دولار من المنح والعقود الفيدرالية من جامعة كولومبيا، بدعوى فشل الجامعة في التصدي لما وصفته الإدارة بـ”معاداة السامية” في الحرم الجامعي. من جانبها، أعلنت جامعة كولومبيا أنها تراجع هذا القرار وتنوي التعاون مع الحكومة لاستعادة التمويل.
وكان الرئيس ترامب قد وصف اعتقال خليل بأنه “الأول من بين العديد من الاعتقالات” الهادفة إلى قمع الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات. وأكد في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي أن إدارته “ستبحث عن المتعاطفين مع الإرهاب وتقبض عليهم وترحلهم من بلادنا دون عودة”.
يُذكر أن ترامب كان قد أصدر في الأسبوع الثاني من توليه المنصب أمراً تنفيذياً يستهدف “مكافحة معاداة السامية” في الحرم الجامعي، تضمن إمكانية إلغاء التأشيرات وتوجيهات للجامعات لمراقبة والإبلاغ عن الطلاب والموظفين الدوليين.
ردود الفعل
أثار اعتقال خليل موجة من الانتقادات من منظمات الحقوق المدنية. وصف بن ويزنر، مدير مشروع الكلام والخصوصية والتكنولوجيا في الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية، هذا الإجراء بأنه “غير مسبوق وغير قانوني وغير أمريكي”، مشيراً إلى أن “الحكومة الفيدرالية تدعي سلطة ترحيل أشخاص لديهم روابط عميقة مع الولايات المتحدة وبطاقاتهم الخضراء لمجرد الدفاع عن مواقف تعارضها”.
من جانبه، دافع وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو عن الإجراء، قائلاً إن الإدارة ستلغي تأشيرات أو بطاقات خضراء للداعمين لحماس في أمريكا. بينما انتقد روبرت كوهين، أستاذ في جامعة نيويورك متخصص في النشاط الطلابي، تصوير إدارة ترامب للمتظاهرين بأنهم “مؤيدون للجهاد”، واصفاً ذلك بأنه تبسيط خطير. وأشار إلى أن “معظم الأفراد المشاركين في الحركة يعارضون الحرب بسبب الخسائر الكبيرة في صفوف المدنيين”.
تم تنظيم مظاهرة للمطالبة بالإفراج عن خليل في الساحة الفيدرالية بمدينة نيويورك يوم الاثنين، بينما يستمر محاموه وأصدقاؤه في النضال من أجل إطلاق سراحه والتوعية بالأزمة الإنسانية في غزة.