في عملية إنفاذ قانون واسعة النطاق تحولت إلى مأساة، شنت السلطات الفيدرالية الأمريكية مداهمات ضخمة على مزرعتي قنب مرخصتين في مقاطعة فينتورا بكاليفورنيا، مما أسفر عن مقتل عامل زراعي، وإصابة العشرات، واعتقال أكثر من 300 شخص، واندلاع مواجهات عنيفة بين المحتجين والعملاء الفيدراليين. تكشف هذه الحادثة عن تقاطعات معقدة ومحفوفة بالمخاطر بين قوانين الهجرة الفيدرالية، وتشريع القنب على مستوى الولاية، وحقوق العمال، وحياة المهاجرين.
بدأت المداهمات صباح يوم الخميس، 10 يوليو، عندما داهم عملاء من وكالة الهجرة والجمارك (ICE) والجمارك وحماية الحدود (CBP)، مدججين بالعتاد العسكري، منشآت تابعة لشركة “غلاس هاوس فارمز” في مدينتي كاماريلو وكاربنتريا. وعلى الرغم من أن الشركة مرخصة لزراعة القنب بموجب قوانين ولاية كاليفورنيا، إلا أن السلطات الفيدرالية كانت تنفذ مذكرة تفتيش جنائية فيدرالية تستند إلى أدلة على أن الشركة كانت توظف وتؤوي مهاجرين غير موثقين.
صراع القوانين: الفيدرالي مقابل الولائي
تكمن جذور هذا الصدام في التناقض الصارخ بين قوانين الولايات والقانون الفيدرالي. فبينما تعتبر كاليفورنيا زراعة وبيع القنب نشاطًا تجاريًا قانونيًا ومنظمًا، لا يزال القنب مصنفًا كمادة خاضعة للرقابة من الدرجة الأولى على المستوى الفيدرالي، أي أنه غير قانوني. هذا التناقض يخلق منطقة قانونية رمادية تجعل الشركات المرخصة من قبل الولاية، خاصة تلك التي تعتمد على العمالة المهاجرة، هدفًا سهلاً لوكالات الإنفاذ الفيدرالية.
أكد مسؤولون في وزارة الأمن الداخلي (DHS) أن المداهمات كانت تستند إلى مذكرة قضائية جنائية وقعها قاضٍ فيدرالي. من جانبها، صرحت شركة “غلاس هاوس فارمز” بأنها امتثلت لمذكرات التفتيش، لكنها في الوقت نفسه تعمل على توفير التمثيل القانوني للعمال المحتجزين.
التكلفة البشرية للمداهمة
كانت العواقب البشرية للمداهمة كارثية. فقد لقي عامل المزرعة، خايمي ألانيس، حتفه بعد سقوطه من ارتفاع 30 قدمًا (حوالي 9 أمتار) أثناء محاولته الاختباء من العملاء. ووفقًا لعائلته، كان ألانيس يعمل في المزرعة منذ عشر سنوات في قطف الطماطم. كما أصيب ما لا يقل عن 12 شخصًا آخرين خلال المداهمة والاحتجاجات التي تلتها، وتم نقل العديد منهم إلى المستشفيات.
أعلنت وزارة الأمن الداخلي عن اعتقال حوالي 200 مهاجر غير موثق في البداية، ثم ارتفع العدد لاحقًا إلى 319. ومما زاد من تعقيد الموقف، العثور على ما لا يقل عن 10 قاصرين غير موثقين في موقع المزرعة، ثمانية منهم كانوا غير مصحوبين بذويهم، مما فتح تحقيقًا إضافيًا في انتهاكات محتملة لقوانين عمالة الأطفال. وأشار اتحاد عمال المزارع (UFW) إلى أن بعض العمال، بمن فيهم مواطنون أمريكيون، لا يزالون في عداد المفقودين.
مواجهات عنيفة واحتجاجات غاضبة
بمجرد انتشار أخبار المداهمة، تجمع أكثر من 500 محتج، من بينهم أفراد عائلات العمال ونشطاء، خارج مزرعة كاماريلو. سرعان ما تحول المشهد إلى مواجهة متوترة وعنيفة. أطلق العملاء الفيدراليون الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي على الحشود لتفريقهم، بينما قام بعض المتظاهرين بإلقاء الحجارة على المركبات التي كانت تحاول مغادرة الموقع. تم اعتقال أربعة مواطنين أمريكيين بتهمة الاعتداء على الضباط أو مقاومتهم.
تأتي هذه المداهمة في سياق حملة إنفاذ هجرة مشددة تشنها إدارة ترامب، والتي شهدت زيادة كبيرة في المداهمات على أماكن العمل في جميع أنحاء البلاد. وفي تطور قضائي متصل، أصدرت قاضية فيدرالية حكمًا يمنع مؤقتًا “الدوريات المتجولة” لعملاء ICE في جنوب كاليفورنيا دون وجود اشتباه معقول، معتبرة أن هذه الممارسة تنتهك الحقوق الدستورية. ومع ذلك، فإن المداهمات التي تستند إلى مذكرات قضائية، مثل تلك التي وقعت في فينتورا، تظل قانونية.
تترك هذه الحادثة المروعة أسئلة عميقة حول مستقبل صناعة القنب في كاليفورنيا، وحول سلامة وحقوق العمال المهاجرين الذين يشكلون العمود الفقري للقطاع الزراعي في الولاية، وحول التكلفة البشرية لسياسات الهجرة الصارمة التي تضع العمال في مواجهة مباشرة مع الخطر والموت.
