كشفت السلطات الفيدرالية والمحلية عن قضية احتيال مالي كبيرة في مدينة نيويورك، حيث وُجّهت اتهامات لمستثمر يُدعى آلان بوراك (40 عامًا) بالاستيلاء على ملايين الدولارات من أموال المستثمرين عن طريق الخداع. وبحسب مكتب مدعي عام مانهاتن ألفين براغ، يواجه بوراك لائحة من 26 تهمة تشمل السرقة الكبرى والاحتيال في الأوراق المالية وتزوير السجلات التجارية وغيرها. المثير للدهشة أن المتهم سجل لنفسه رسالة صوتية اعترف فيها ضمنيًا بزيف شركته وممارساته غير القانونية، حيث قال في التسجيل: “أنا أفشل لأني مزيف. ليست لدي أي شركة حقيقية. أنا حرفيًا أسرق المال من الناس”. هذه الكلمات الصادمة، التي تم الحصول عليها كجزء من أدلة القضية، سلطت الضوء على مدى تلاعب بوراك بالمستثمرين وثقته الشخصية المتزعزعة في مشروعية أعماله.
تفاصيل القضية
بدأت خيوط هذه القضية تتكشف عندما لاحظت الجهات التنظيمية والرقابية تناقضات في أنشطة شركة Never Alone Capital LLC التي أسسها بوراك. وبحسب لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC)، جمع بوراك حوالي 4 ملايين دولار من عشرات المستثمرين عبر تقديم ادعاءات كاذبة حول نجاحاته الاستثمارية. وقد استهدف أموال أصدقاء ومعارف، بعضهم من عائلته في المكسيك، بالإضافة إلى مستثمرين تعرف عليهم من خلال شركة تقدم خدمات تعليم مالي للمجتمع اللاتيني. وزعم بوراك للمستثمرين أنه يحقق أرباحًا منذ عام 2006 ويدير أصولًا بقيمة 157 مليون دولار وسيستثمر أموالهم في “وول ستريت”، لكن في الواقع – كما تقول السلطات – انتهى به الأمر إلى تحويل جزء كبير من تلك الأموال لحسابه الشخصي، حيث أنفقها على اشتراكات لمواقع ترفيهية ورحلات سفر ومشتريات شخصية، بما في ذلك نفقات لزوجته. وتبين أن مخطط الاحتيال امتد من عام 2018 حتى 2023، عندما بدأ ينهار مع تراكم الخسائر وانكشاف الحقيقة. التسجيل الصوتي المؤرخ في يوليو 2022 أظهر بوراك وهو يقر لنفسه بأنه “لا يملك أي مشروع حقيقي” وأنه “لم يدفع ضرائبه” وأن نشاطه ما هو إلا سلسلة من الأكاذيب، وهو ما استخدمته لجنة الأوراق المالية كدليل يُدين تصرفاته.
محاكمة واستراتيجية الدفاع
مثل بوراك أمام المحكمة في مانهاتن يوم الأربعاء، حيث دفع ببراءته من جميع التهم الموجهة إليه. وأكد محاميه إيريك كريزمان أن موكله يعتزم مواجهة هذه الادعاءات بقوة. وقال كريزمان في بيان: “عاد آلان طوعًا إلى نيويورك لمواجهة هذه الاتهامات… سنقوم بالرد على هذه التهم أمام المحكمة ونجبر الحكومة على إثبات صحة ادعاءاتها”. ويعني ذلك أن فريق الدفاع سيطعن في الأدلة المقدمة ضده، وربما يشكك في طريقة حصول السلطات على التسجيلات أو في شهادات بعض المستثمرين. من جانبه، وصف المدعي العام ألفين براغ هذه القضية بأنها مثال صارخ على “الاحتيال الاستثماري الذي يستغل ثقة الأفراد لتحقيق مكاسب شخصية”، حيث استغل المتهم علاقاته في المجتمع وجاذبية فكرة الاستثمار في وول ستريت لإيقاع ضحاياه.
تأثير القضية على المجتمع
أثارت قضية بوراك صدمة في الأوساط المالية وبين المستثمرين الصغار في نيويورك، وخاصة في مجتمعات المهاجرين التي كثيرًا ما تبحث عن سبل لتنمية مدخراتها. لقد كشف المخطط كيف يمكن للمحتالين استغلال الروابط الاجتماعية والثقافية – مثل الثقة بين أفراد الجالية اللاتينية في هذه الحالة – لارتكاب جرائم مالية جسيمة. وبالنسبة للجالية العربية في نيويورك، فإن هذه الحادثة تعد جرس إنذار مهم. فكثير من أبناء الجالية يديرون أعمالًا صغيرة أو يشاركون في استثمارات متنوعة، وقد يتعرضون لمحاولات احتيال مماثلة تستهدفهم عبر إغراءات بتحقيق أرباح سريعة أو استثمار في مشاريع وهمية. يقول خبير مالي من أصول عربية يعمل في حي “باي ريدج” ذي الكثافة العربية: “الثقة مهمة في مجتمعنا، لكن يجب أن نتوخى الحذر وألا نستثمر أموالنا إلا لدى مؤسسات مالية مرخصة وذات سمعة موثوقة”. ويشير الخبراء إلى أهمية التوعية والتثقيف المالي داخل المجتمعات المهاجرة، بما فيها العربية، لضمان عدم وقوع الأفراد فريسة لمثل هذه العمليات الاحتيالية التي قد تبدو مقنعة للوهلة الأولى.
تطورات منتظرة
من المتوقع أن تستمر المعركة القانونية في قضية بوراك خلال الأشهر المقبلة، حيث سيقدم الادعاء المزيد من الأدلة والشهادات، بينما سيحاول الدفاع تفنيدها أو عقد صفقة ما لصالح موكله. حُدّد كفالة المتهم بمبلغ 500 ألف دولار نقدًا بالإضافة إلى كفالتين بقيمة مليون دولار لكل منهما لضمان مثوله أمام المحكمة، مما يشير إلى جدية التهم وخطورة ما يُنسب إليه. وإذا أُدين بوراك في النهاية، فقد يواجه عقوبات بالسجن لسنوات طويلة فضلًا عن تعويضات مالية كبيرة لضحاياه.
على صعيد أوسع، دفعت هذه القضية السلطات إلى تشديد الرقابة على شركات الاستثمار الصغيرة وتحذير الجمهور من الوقوع في فخ الوعود الاستثمارية الزائفة. وفي ظل ازدهار التكنولوجيا المالية، قد تتعاون الهيئات التنظيمية مع قادة المجتمع المحلي – بمن فيهم قادة الجالية العربية – لإقامة ورش عمل وندوات لرفع مستوى الوعي حول أساليب الاحتيال الحديثة وكيفية حماية المدخرات والأصول المالية من المحتالين.
