في تطور سياسي وقانوني مدوٍّ، هز أركان بلدية نيويورك، تقدم القائم بأعمال مفوض الشرطة السابق، توماس جي. دونلون، بدعوى قضائية فيدرالية يتهم فيها عمدة المدينة إريك آدامز ودائرته المقربة بإدارة شرطة نيويورك باعتبارها “مؤسسة إجرامية”. وتطالب الدعوى بفرض رقابة فيدرالية على قسم الشرطة، في خطوة غير مسبوقة تعكس عمق الأزمة داخل واحدة من أكبر وأقوى أجهزة الشرطة في العالم.
الدعوى، التي تمثل قنبلة سياسية، تزعم أن شرطة نيويورك تحت قيادة العمدة آدامز عملت “كمؤسسة ابتزاز” (racketeering enterprise)، وهو مصطلح قانوني خطير يرتبط عادة بالجريمة المنظمة. وتوضح الدعوى أن أهداف هذه “المؤامرة” المزعومة كانت “ترسيخ السلطة السياسية، وعرقلة العدالة، ومعاقبة المعارضة”.
يرسم دونلون في دعواه صورة قاتمة للوضع، حيث يدعي أنه تم تعيينه كمفوض بالاسم فقط، بينما ظلت السلطة الحقيقية في أيدي حلفاء آدامز. ويتهم هؤلاء المسؤولين بالتلاعب بالشؤون الداخلية للشرطة، ومنع التحقيقات في قضايا حساسة، واستخدام ختمه الرسمي دون إذنه لترقية ضباط يتمتعون بصلات سياسية على حساب زملائهم الأكثر كفاءة. وتضيف الدعوى أن دونلون عندما حاول مواجهة هذا السلوك، تم تهميشه وتجريده من سلطاته، وفي النهاية أُقيل من منصبه.
لكن الأخطر من ذلك هو ادعاء دونلون بأن الانتقام منه تجاوز النطاق المهني ووصل إلى حياته الشخصية. تزعم الدعوى أنه تم تدبير “اعتقال كاذب” لزوجته، وتسريب معلوماتهما الخاصة بشكل منسق إلى الصحافة بهدف تدميره شخصيًا. وجاء في نص الدعوى أن “المتهمين في شرطة نيويورك لم يتوقفوا عند أي حد لإسكات دونلون وتدميره شخصيًا”.
لفهم مدى خطورة هذه الاتهامات، من المهم شرح بعض المصطلحات للقراء غير المطلعين على النظام القانوني الأمريكي. مصطلح “الابتزاز” أو “Racketeering” مرتبط بقانون RICO، وهو قانون فيدرالي صُمم في الأصل لمكافحة المافيا والجماعات الإجرامية المنظمة. استخدامه لوصف سلوك إدارة بلدية وقيادة شرطة هو اتهام من العيار الثقيل يعني وجود نمط من الفساد الممنهج.
أما مطالبة دونلون بـ”رقيب فيدرالي” (federal monitor)، فهي تعني دعوة وزارة العدل الأمريكية للتدخل المباشر والإشراف على عمليات قسم الشرطة، خاصة في مجالات الترقيات والإجراءات التأديبية وحماية المبلغين عن المخالفات. هذا الإجراء، إذا تم، سيمثل فقدانًا كبيرًا لسيطرة المدينة على جهاز الشرطة الخاص بها، ويعتبر اعترافًا بفشل الأنظمة الداخلية في إصلاح نفسها.
هذه القضية تتجاوز كونها مجرد نزاع شخصي أو سياسي. إنها تضع نزاهة المؤسسات الأمريكية على المحك، وتثير تساؤلات عميقة حول إساءة استخدام السلطة والفساد في أعلى المستويات. بالنسبة للجاليات المهاجرة، التي غالبًا ما تكون علاقتها مع أجهزة إنفاذ القانون معقدة، فإن هذه القضية تكتسب أهمية خاصة، حيث تكشف عن الصراعات الداخلية والسياسات التي تشكل سلوك الشرطة على الأرض.