تداولت وسائل الإعلام الأمريكية مؤخراً أنباء حول خطة محتملة قد تؤدي إلى حصول ملايين الأمريكيين على شيكات بقيمة 5000 دولار كجزء من مبادرة يقودها إيلون ماسك من خلال إدارة كفاءة الحكومة (DOGE). تقترح هذه الخطة، التي أطلق عليها اسم “عائد DOGE”، استخدام جزء من الوفورات المالية التي تحققها إدارة كفاءة الحكومة لإعادة الأموال للمواطنين الأمريكيين الذين يدفعون الضرائب. ومع ذلك، تشير المصادر إلى أن هذه الفكرة لا تزال في مرحلة مبكرة من المناقشة ولم يتم اعتمادها رسمياً بعد، كما يوجد عدد من التحديات القانونية والعملية التي قد تعوق تنفيذها. يستهدف التقرير التالي تقديم نظرة شاملة حول هذا المقترح، وأصله، وتفاصيله، ومن قد يستفيد منه، والعقبات التي تواجهه.
نشأة فكرة “عائد DOGE” وتفاصيلها
ظهرت فكرة “عائد DOGE” (DOGE Dividend) لأول مرة على منصة إكس (تويتر سابقاً) عندما اقترحها جيمس فيشباك، الرئيس التنفيذي لشركة الاستثمار أزوريا والذي يُقال إنه مستشار خارجي لإدارة كفاءة الحكومة (DOGE). أفاد فيشباك في مقابلة مع شبكة إن بي سي (NBC) أن الفكرة جاءته في حلم، وبعد استيقاظه قام هو وفريق الأبحاث في شركته بصياغة اقتراح مفصل في غضون ساعتين ونصف تقريباً. قام فيشباك بمشاركة الفكرة على منصة إكس، مما جذب انتباه إيلون ماسك الذي رد قائلاً إنه “سيتحقق مع الرئيس” بخصوص هذا الاقتراح.
تتضمن الخطة المقترحة تخصيص 20% من الوفورات المستهدفة لإدارة كفاءة الحكومة والتي تبلغ 2 تريليون دولار، لتوزيعها على دافعي الضرائب الأمريكيين. وفقاً لحسابات فيشباك، فإن هذا يعني توزيع حوالي 400 مليار دولار على نحو 79 مليون أسرة أمريكية تدفع الضرائب، مما سيترجم إلى شيك بقيمة 5000 دولار لكل أسرة مؤهلة. تشير التفاصيل إلى أن هذه الشيكات سيتم إصدارها بعد انتهاء مهمة إدارة كفاءة الحكومة في يوليو 2026، وستكون ممولة حصرياً من الوفورات التي تحققها الإدارة.
يهدف المقترح، حسب فيشباك، إلى تعويض “دافعي الضرائب الأمريكيين عن إساءة استخدام أموال ضرائبهم التي اكتشفتها إدارة كفاءة الحكومة”. كما يدعي المقترح أن هذه المبادرة ستعزز الروح المعنوية الضريبية وتشجع المشاركة في القوى العاملة، وتحفز المواطنين على الإبلاغ عن حالات الهدر والاحتيال وإساءة الاستخدام للأموال العامة.
من سيستفيد من الشيكات؟ متطلبات الأهلية
تكشف المصادر أن مقترح “عائد DOGE” لا يستهدف جميع الأمريكيين، بل يركز على فئة محددة من دافعي الضرائب. على عكس برامج التحفيز الاقتصادي السابقة التي كانت تستهدف الأسر ذات الدخل المنخفض، فإن هذا البرنامج سيستهدف “دافعي الضرائب الصافين” – أي الأشخاص الذين يدفعون ضرائب أكثر مما يتلقون من إعانات فيدرالية. هذا يعني أن الأمريكيين ذوي الدخل المنخفض قد لا يستفيدون من هذه المبادرة، حيث إن العديد ممن يكسبون أقل من 40,000 دولار سنوياً لا يدفعون ضريبة الدخل الفيدرالية وفقاً لمركز بيو للأبحاث.
ستكون المدفوعات موجهة بشكل أساسي للمواطنين المولودين في الولايات المتحدة، مع إمكانية شمول دافعي الضرائب الأجانب الذين يمكنهم إثبات إقامتهم القانونية في البلاد. أوضح فيشباك أن سبب استهداف “دافعي الضرائب الصافين” هو أن “لديهم ميلاً أقل للإنفاق وميلاً أكبر لادخار مدفوعات التحويل مثل عائد DOGE”. هذا الشرح يشير ضمنياً إلى أن الهدف قد يكون تشجيع الاستثمار والادخار بدلاً من تحفيز الإنفاق الاستهلاكي الفوري.
الوضع الحالي وتصريحات ترامب وماسك
على الرغم من انتشار الأخبار حول هذه المبادرة، فمن المهم توضيح أن “عائد DOGE” ليس سياسة رسمية بعد، ولم يوقع الرئيس دونالد ترامب أي أمر بهذا الخصوص. قامت منصة PolitiFact بالتحقق من الادعاءات التي تزعم أن هذا الأمر “رسمي” ووجدت أنها غير صحيحة. ومع ذلك، فقد ناقش ترامب هذا المفهوم علناً خلال خطاب في ميامي، حيث قال: “هناك مفهوم جديد قيد الدراسة حيث نعطي 20% من وفورات إدارة كفاءة الحكومة للمواطنين الأمريكيين، و20% تذهب لسداد الديون”.
من جانبه، رد إيلون ماسك على اقتراح فيشباك على منصة إكس قائلاً إنه “سيتحقق مع الرئيس”. وفي تعليق لاحق، أوضح ماسك موقفه بشكل أكثر دقة قائلاً: “بطبيعة الحال، الرئيس هو القائد الأعلى، لذا فهذا الأمر يعود إليه بالكامل”. شكر فيشباك ماسك على اهتمامه بالمقترح، قائلاً: “يشرفني أن @ElonMusk قد أبدى اهتماماً باقتراحنا لعائد DOGE المقدم للرئيس ترامب”.
التحديات والانتقادات ومخاوف الجدوى
يواجه مقترح “عائد DOGE” عدداً كبيراً من التحديات والانتقادات التي قد تعوق تنفيذه. أبرز هذه التحديات هو التشكيك في قدرة إدارة كفاءة الحكومة على تحقيق هدفها المتمثل في توفير 2 تريليون دولار من الإنفاق الفيدرالي. أشار ماسك نفسه إلى أن مبلغ الـ 2 تريليون دولار قد يكون “أفضل نتيجة ممكنة” وأن هناك “فرصة جيدة” لتأمين نصف هذا المبلغ فقط. يرى الاقتصاديون أن تحقيق وفورات بقيمة 2 تريليون دولار أمر “مستحيل دون القضاء على أجزاء ضخمة من الحكومة التي يعتمد عليها الأمريكيون”.
تثار أيضاً تساؤلات دستورية حول سلطة إدارة كفاءة الحكومة، حيث يمنح الدستور الأمريكي الكونغرس، وليس البيت الأبيض، سلطة فرض الضرائب والإنفاق. تواجه إدارة كفاءة الحكومة العديد من التحديات القانونية، بما في ذلك دعاوى قضائية تسعى لتقييد وصولها إلى البيانات الفيدرالية الحساسة. كما أثارت الإدارة جدلاً واسعاً بعد اقتراحها إلغاء الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) ووزارة التربية والتعليم.
وفقاً للموقع الرسمي لإدارة كفاءة الحكومة (doge.gov)، تدعي الإدارة أنها وفرت 55 مليار دولار حتى الآن. تأتي هذه الوفورات المزعومة من “اكتشاف الاحتيال/حذفه، وإلغاء العقود/الإيجارات، وإعادة التفاوض على العقود/الإيجارات، وبيع الأصول، وإلغاء المنح، وتخفيض القوى العاملة، والتغييرات البرامجية، والوفورات التنظيمية”. مع ذلك، يشكك الخبراء في هذه الأرقام ويشيرون إلى أنه حتى لو كانت صحيحة، فإن توزيعها سيؤدي إلى شيكات ضئيلة القيمة ذات “تأثير صفري” على الاقتصاد العام، وفقاً لأحد الاقتصاديين.
مستقبل مقترح “عائد DOGE”
مع استمرار النقاش حول مقترح “عائد DOGE”، من المهم التأكيد على أن هذه الفكرة لا تزال في مراحلها الأولية ولا يوجد جدول زمني واضح لتنفيذها. تشير التقديرات الحالية إلى أن الشيكات، إذا تم اعتمادها، لن تصدر قبل يوليو 2026 عند انتهاء مهمة إدارة كفاءة الحكومة. يجب أن تتخطى المبادرة العديد من العقبات القانونية والتشريعية والمالية قبل أن تصبح واقعاً، كما يجب أن تحصل على موافقة الكونغرس الذي يملك السلطة الدستورية على الإنفاق الفيدرالي.
من المثير للاهتمام أن هذا المقترح يتبع نموذجاً مشابهاً لبرنامج من فترة الوباء خلال الولاية الأولى لترامب، عندما أرسلت الحكومة مدفوعات مباشرة للأمريكيين مع إرفاق اسم الرئيس بها. ومع ذلك، فإن التحديات التي تواجه “عائد DOGE” أكبر بكثير، خاصة مع التساؤلات المستمرة حول سلطة وشرعية إدارة كفاءة الحكومة نفسها.
مع تطور الأحداث، سيكون من المهم متابعة التصريحات الرسمية من البيت الأبيض ومن ماسك نفسه لمعرفة ما إذا كان هذا المقترح سيتحول إلى سياسة رسمية أم سيبقى مجرد فكرة مثيرة للجدل. وحتى ذلك الحين، ينصح الخبراء الأمريكيين بعدم التخطيط للإنفاق بناءً على توقع استلام شيك بقيمة 5000 دولار في المستقبل القريب.