وكالات / العربية
خلال ثلاثينيات القرن التاسع عشر، مرت مدينة نيويورك الأميركية بإحدى أسوأ فتراتها التاريخية. ففي البداية، شهدت المدينة موجة كوليرا أسفرت عن سقوط آلاف الضحايا قبل أن تعاني خلال العام 1837 من ويلات أزمة مالية خانقة أضرّت بالولايات المتحدة الأميركية وعرفت لدى كثيرين بذعر عام 1837.
وما بين الكوليرا وذعر عام 1837، كانت نيويورك على موعد مع حريق هائل سنة 1835، أثناء عهد الرئيس الديمقراطي أندرو جاكسون (Andrew Jackson)، أسفر خلال إحدى ليالي شهر ديسمبر الباردة عن تدمير قسم كبير من مناطق مانهاتن السفلى وكبّد نيويورك خسائر جمة عقب خراب قسم هام من الشريان التجاري والمالي للمدينة.
ليلة السادس عشر من شهر ديسمبر 1835، لاحظ الحراس الليليون، بسبب الدخان الكثيف، وجود حريق بأحد المستودعات بشارع بيرل ستريت (Pearl Street) بمانهاتن السفلى فلجؤوا على عين المكان لدق ناقوس الخطر ليتهافت بذلك العديد من رجال الإطفاء على المنطقة أملا في السيطرة على النيران وإنقاذ هذه المنطقة الحيوية لمدينة نيويورك.
فعقب إنشاء قناة إيري (Erie Canal) منذ بضع سنوات، تحولت مانهاتن السفلى للقلب التجاري النابض لنيويورك حيث ظهرت بها العديد من المستودعات التي استخدمت أساسا لتخزين السلع والبضائع القادمة من أوروبا والصين. ومنتصف شهر ديسمبر 1835، اكتظت هذه المستودعات بالعديد من السلع الباهظة كالحرير والأواني الزجاجية والشاي والقهوة والمشروبات الكحولية والآلات الموسيقية.
حريق خارج عن السيطرة
وقد تدخلت فرق الإطفاء بنيويورك بقيادة جيمس غوليك (James Gulick) لإخماد الحريق إلا أن جهودهم الأولية كللت بالفشل حيث تجمدت المياه بالمضخات بسبب الطقس البارد. وأملا في إنقاذ الموقف، أمر غوليك رجاله بالحصول على المياه من النهر الشرقي الذي كان شبه متجمد. إلى ذلك، أعاقت الرياح الشديدة التي هبّت بالمنطقة عمليات الإطفاء. وبحلول الساعات الأولى من صباح اليوم التالي، خرجت الأمور عن السيطرة حيث امتدت ألسنة اللهب لتلتهم أعدادا كبيرة من المستودعات كما أصبح الناس قادرين على مشاهدة أعمدة الدخان من مسافات بعيدة وخوفا من امتداد النيران نحو المناطق المجاورة طلب من رجال الإطفاء بفيلادلفيا الاستعداد للتوجه نحو نيويورك لمؤازرة زملائهم في حال اقتضى الأمر ذلك.
بارود وجدار أنقاض
ومع انقطاع السبل أمامهم وإمكانية امتداد الحريق لمناطق أخرى، لجأ رجال المطافئ لحل جريء اقتضى تفجير عدد من المباني بوول ستريت (Wall Street) وتحويلها لركام لخلق جدار من الأنقاض وإيقاف زحف النيران. إلى ذلك، استنجدت فرق الإطفاء بجنود البحرية الأميركية الذين حلوا على عين المكان ناقلين معهم براميل البارود استعدادا لتنفيذ هذه الخطة.
بفضل جدار الأنقاض وتدميرهم للمخازن الخشبية وإزالتهم للمواد سريعة الالتهاب بها قبل وصول النيران إليها، تمكن رجال الإطفاء وجنود البحرية من إنقاذ أجزاء هامة من مانهاتن السفلى. في الأثناء، تسبب حريق عام 1835 في مقتل شخصين وتدمير 674 مبنى كان من ضمنهم عدد كبير من المخازن وسوق الأوراق المالية وقد قدرت قيمة هذه الخسائر حينها بنحو 20 مليون دولار وهو ما يمثل مبلغا ماليا هاما تجاوزت قيمته قيمة إنشاء قناة إيري.
خلال الفترة التالية، أعاد المسؤولون بنيويورك إنشاء المناطق المدمرة بمانهاتن السفلى فبنيت مخازن جديدة منحت للتجار المتضررين من الحريق كما شيدت طرق واسعة لضمان تباعد المباني أملا في تجنب تكرار ما حصل بديسمبر 1835.