لا تزال مشكلة حظر تطبيق “تيك توك” ضمن قائمة أولويات المؤسسات الأمريكية، وعلى الرغم من التهديدات المستمرة إلا أن الشركة الصينية المالكة للتطبيق ما زالت متمسكة بموقفها بأن التطبيق آمن ولا يهدد أمن أمريكا، وبالتالي سيتعين على من يشتري تيك توك أن يدير حقل ألغام في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين.
بات تيك توك، أحد أكثر منصات التواصل الاجتماعي نجاحا في العالم بأكثر من مليار مستخدم في 140 دولة، معروضا للبيع في الولايات المتحدة.
صفقة الشراء تبدو مغرية لأي مستثمر، إذ أن التطبيق يحظى بنحو 170 مليون مشترك أمريكي. بيد أن التطبيق المملوك لشركة “بايت دانس” الصينية ليس فقط مجرد منصة لتبادل المقاطع المصورة الصغيرة وإنما منصة أحدثت ثورة في عالم التواصل الاجتماعي في العالم بأسره، فيما تُصعب المخاوف المتعلقة بالأمن القومي الأمريكي إتمام عملية الاستحواذ بالشكل السهل الذي قد يتوقعه الكثيرون.
تحت الضغوط الأمريكية
لا تنظر الحكومة الأمريكية إلى تيك توك في الوقت الراهن باعتباره منصة افتراضية ترفيهة، بل باتت تعتبره أيضا منصة لنشر الأخبار والمعلومات وتبادلها ما يعني إمكانية استخدامه للدعاية. يُشار إلى أن الولايات المتحدة تفرض منذ عقود قيودا على الملكية الأجنبية لوسائل الإعلام التقليدية مثل محطات الراديو أو التلفاز فيما يرى صناع السياسية الأمريكية أن القيود المفروضة على تيك توك تعد نتيجة منطقية لثورة التكنولوجيا والإنترنت.
وكان مجلس النواب الأمريكي قد أقر الأربعاء (13 مارس / آذار) بأغلبية ساحقة مشروع قانون يجبر تيك توك على الانفصال عن الشركة الصينية المالكة له وبيعه لشركة غير صينية في غضون ستة أشهر أو الوقوع تحت طائلة حظره في الولايات المتحدة.
ولكي يصبح التشريع قانونا، فإنه يحتاج إلى موافقة مجلس الشيوخ فيما تعهد الرئيس جو بايدن بالتوقيع عليه إذا وافق عليه الكونغرس.
وعلى وقع ذلك، ربما ينتظر تيك توك فارسا يرتدي درعا لامعا، لينقذه في الولايات المتحدة. لكن لسوء الحظ فإن دائرة الفرسان ليست بالكبيرة خاصة وأن الملياردير الأمريكي إيلون موسك في حالة انشغال بمنصة “إكس” (تويتر سابقا).
تعرض الرئيس التنفيذي للشركة، السنغافوري شو تشيو لاستجواب صارم من المشرعين الأمريكيين في مارس / آذار الجاري
وإزاء ذلك، طرح مراقبون تساؤلات حيال الجهة التي يمكن أن تشتري تيك توك؟ وما مصير 170 مليون مستخدم في الولايات المتحدة في حالة حظر التطبيق في البلاد؟
منذ حقبة ترامب
ولم يكن إجبار شركة “بايت دانس” الصينية على بيع الفرع الأمريكي للتطبيق، وليد اللحظة إذ حاول الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ذلك عبر أمر تنفيذي عام 2020، لكن صفقة مبدئية بين تطبيق “تيك توك” الصيني وشركتي “وولمارت” و”أوركل” الأمريكيتين، قد باءت بالفشل.
تزامن هذا مع فشل حظر التطبيق من متجر تطبيقي أبل وغوغل في الولايات المتحدة.
ومنذ ذلك الحين، تؤكد الشركة المالكة لتيك توك أنها تبذل جهودا كبيرة لحذف البيانات الخاصة بالمستخدمين الأمريكيين من خوادم “بايت دانس”، فضلا عن نقل كافة البيانات والمعلومات إلى خوادم مقرها الولايات المتحدة فيما يقول خبراء إن مثل هذه الخطوة تبقي البيانات الأمريكية بعيدا عن أجهزة المراقبة الصينية، لكن هذا من الناحية النظرية.
في المقابل، يشكك العديد من الخبراء مثل ميلتون مولر، خبير الأمن السيبراني في معهد جورجيا للتكنولوجيا في أتلانتا، في أن تيك توك يشكل تهديدا حقيقيا للأمن القومي الأمريكي، لكن العديد من ساسة الولايات المتحدة ووكالات الاستخبارات يرغبون في نقل الأمر إلى مستوى أعلى.
من يريد شراء تيك توك؟
وفي ضوء كل هذه المعطيات، فإن شراء الفرع الأمريكي من تيك توك لن يكون صفقة تجارية عادية إذ سيظل الأمر بمثابة حقل ألغام جيوسياسي فضلا عن إثارة الكثير من التساؤلات وأبرزها هل ستظل “بايت دانس” المساهم الأكبر في اتخاذ القرارات حتى من وراء الستار؟ ومن سيقوم بتشغيل وتحديث خوارزميات المنصة القوية؟
وفي ذلك، يرى مولر أن عملية البيع “ممكنة من الناحية النظرية، لكنها معقدة للغاية وغير محتملة على أرض الواقع”، قائلا: “قد لا تسمح الحكومة الصينية بإتمام عملية البيع، فضلا عن الغموض حيال المكاسب في حال إتمام الصفقة”.
أما على الجانب الصيني، فيبدو أن شركة “بايت دانس” على أهبة الاستعداد لخوض معركة قانونية، وأنه تفضل إغلاق منصة تيك توك في الولايات المتحدة على خيار بيعها القسري لمستثمرين أمريكيين.
ويقول خبراء إنه من الصعب منع الوصول إلى التطبيق عبر متاجر التطبيقات حيث سيتعين عليها حظر جميع التنزيلات والتحديثات الجديدة الخاصة بالتطبيق.
وقال مولر إنه تحدث إلى عدد من مستخدمي تيك توك في أمريكا حيث شددوا على أن إنهاء الجوانب الفنية والتشغيلية المرتبطة بالتطبيق لا يمكن أن يتم في غضون فترة قصيرة لا تتجاوز ستة أشهر كما ينص التشريع الأمريكي. وأشار الباحث إلى أن فصل تطبيق “غريندر” عن الملاك الصينيين استغرق عاما.