دخلت مدينة نيويورك في صدام سياسي وقانوني مع الإدارة الفيدرالية بقيادة الرئيس دونالد ترامب حول برنامج “تسعير الازدحام المروري” المثير للجدل. فقد أمهلت وزارة النقل الأمريكية المدينة حتى 21 مارس المقبل لتعليق برنامج فرض رسوم على السيارات الداخلة إلى وسط مانهاتن، الذي بدأت نيويورك تطبيقه الشهر الماضي بهدف تقليل الازدحام وجمع تمويل لتحسين شبكات المترو والحافلات القديمة. وجاء هذا الإنذار بعد قيام إدارة ترامب بشكل مفاجئ بسحب الموافقة الفيدرالية التي كانت قد مُنحت للمشروع في عهد الرئيس السابق جو بايدن.
تفاصيل النزاع
كانت نيويورك قد أطلقت برنامج تسعير الازدحام في يناير 2025 كأول مدينة أمريكية تتبنى مثل هذه الخطوة المعمول بها عالميًا في مدن مثل لندن وسنغافورة. يفرض البرنامج رسمًا يوميًا قدره 9 دولارات على أغلب السيارات الخاصة التي تدخل منطقة مانهاتن جنوب الشارع 60 خلال أوقات الذروة، وترتفع الرسوم إلى ما يصل 21.6 دولار على الشاحنات والحافلات، مع تخفيضها بنسبة 75% خلال ساعات الليل المتأخرة. وخلال الشهر الأول من تطبيقه، جمعت المدينة نحو 48.6 مليون دولار من الرسوم، وبلغ صافي العائد (بعد خصم تكاليف التشغيل) حوالي 37.5 مليون دولار، وفقًا لبيانات هيئة النقل.
وكانت خطة نيويورك تقضي بتوجيه هذه الأموال مباشرة لتحديث مترو الأنفاق وأنظمة الحافلات المتقادمة، بهدف تحسين الخدمة وتقليل الأعطال. إلا أن إدارة ترامب اعترضت على البرنامج بدعوى أنه فُرض دون دراسة كافية لتبعاته على سكان الضواحي والشاحنات التجارية، ورأت فيه عبئًا غير مبرر. في الأسبوع الماضي، وجه مسؤول رفيع معين من ترامب في وزارة النقل خطابًا رسميًا للمدينة يعلن فيه إلغاء الموافقة السابقة على الخطة، ما وضع مستقبل البرنامج في مهب الريح.
ردود الفعل والمواقف
حاكمة ولاية نيويورك كاثي هوكول – وهي ديمقراطية – سافرت إلى واشنطن مؤخراً والتقت بالرئيس ترامب لمحاولة إنقاذ برنامج تسعير الازدحام. وبعد الاجتماع، بدا أن الخلاف لا يزال قائمًا. وقالت هيئة النقل (MTA) في بيان شديد اللهجة يوم الأربعاء: “موقفنا واضح: هذا القرار غير قانوني. لقد رفعنا بالفعل دعوى قضائية والأمر الآن بيد المحاكم لتقرر”. وأضاف البيان أن الهيئة لن توقف البرنامج ما لم يأمر القضاء بذلك، معتبرة أن إنذار الحكومة الفيدرالية “يفتقر للسند القانوني الواضح”.
في المقابل، بررت وزارة النقل الفيدرالية خطواتها بأنها تمنح نيويورك مهلة زمنية “لإنهاء عمليات البرنامج بشكل منظم” بحلول 21 مارس، تفاديًا لمزيد من التعقيدات. وأكد مسؤول في الوزارة – رفض ذكر اسمه – أن الإدارة “لن تقف مكتوفة الأيدي بينما تُفرض رسوم جديدة على السائقين دون موافقة واضحة من الكونغرس أو توافق محلي واسع”.
هذا وشهدت الساحة السياسية تفاعلًا واسعًا، حيث أيد جمهوريون قرار ترامب معتبرينه “حماية لسائقي الضواحي من ضرائب المدينة”، بينما اعتبره ديمقراطيون تدخلاً سافرًا في شؤون المدينة وضربة لجهود تحسين النقل العام.
تأثير الخلاف على السكان والجالية العربية
يُنذر هذا الخلاف بتداعيات مباشرة على سكان نيويورك وتنقلاتهم اليومية. فإذا اضطرت المدينة لإلغاء برنامج تسعير الازدحام، فسيحرم ذلك هيئة النقل من مصدر تمويل كانت تعوّل عليه بشدة لترميم البنية التحتية المتهالكة للمترو والحافلات. وبالتالي قد يواجه الركاب – ومن بينهم عشرات الآلاف من أبناء الجالية العربية – استمرار مشاكل التأخير والأعطال في المواصلات العامة لفترة أطول.
يقول مازن، وهو موظف عربي يسكن في نيوجيرسي ويعتمد على سيارته للوصول إلى عمله في مانهاتن: “صحيح أنني لا أحب دفع رسوم إضافية، لكنني أدرك أن تحسين المترو سيفيدنا جميعًا على المدى البعيد. أتمنى لو وجدوا حلاً وسطًا بدل إلغاء البرنامج”.
في المقابل، يشعر بعض سكان الأحياء الخارجية (البوروهات) بسعادة خفية لهذا التطور، حيث كانوا يرون في رسوم الازدحام عبئًا ماليًا إضافيًا عند اضطرارهم للقيادة إلى مانهاتن. كما أن شركات الشحن ونقل البضائع التي يمتلك بعضها أفراد من الجاليات المختلفة، كانت قد اشتكت من تأثير الرسوم على تكاليفها التشغيلية.
من جهة أخرى، يخشى دعاة البيئة وأنصار النقل المستدام أن يؤدي إيقاف البرنامج إلى عودة مستويات الازدحام والتلوث في وسط المدينة إلى سابق عهدها بعد أن لوحظ انخفاض طفيف في حركة المرور خلال أسابيع التطبيق الأولى. الجالية العربية، كسائر سكان نيويورك، منقسمة الرأي؛ فبعض أصحاب الأعمال الصغيرة لديهم قلق من تضرر حركة الزبائن بسبب الرسوم، بينما غالبية المستخدمين اليوميين للمترو كانوا يأملون أن يفضي التمويل الجديد إلى تحسين الخدمة التي يعتمدون عليها.
مستقبل البرنامج والتوقعات
في ظل تمسك كل طرف بموقفه، من المرتقب أن تنتقل المعركة إلى أروقة المحاكم الفيدرالية خلال الأيام المقبلة لحسم قانونية خطوة الإدارة الأميركية. وقد أكدت هوكول أن الولاية تدعم دعوى الـMTA وأنها “لن تسمح بسرقة مستقبل النقل العام في نيويورك بسبب خلافات سياسية” على حد تعبيرها.
ويرى محللون أنه إذا تمكنت نيويورك من استصدار أمر قضائي طارئ بوقف قرار واشنطن، فقد يستمر البرنامج موقتًا إلى حين البت النهائي في القضية. أما إذا خسرت المدينة هذا النزاع القانوني، فسيكون عليها البحث عن بدائل سريعة لتمويل تحسين المواصلات – ربما عبر زيادة أسعار التذاكر أو الضرائب المحلية، ما قد يشكل عبئًا جديدًا على كاهل السكان.
وفي انتظار كلمة الفصل، يبقى مشهد سيارات الأجرة الصفراء والحافلات وقطارات الأنفاق في نيويورك رهينة هذا الشد والجذب بين سياسات المدينة وطموحاتها من جهة، وسياسات الحكومة الفيدرالية من جهة أخرى. سكان نيويورك، بمن فيهم العرب، يترقبون الحل أملاً في أن تسير عجلة تطوير النقل قدماً، فلا تكون النتيجة النهائية مزيدًا من الزحام دون حلول أو رسومًا بلا مقابل تحسيني ملموس.
