في زمن الأوبئة تتناثر التداعيات في أكثر من اتجاه، ويتعالى تحميل المسؤوليات المتبادلة، بالتزامن مع التنصل منها. هذا ما جرى بين واشنطن وبكين، إذ حملت الأولى الثانية المسؤولية عن نشر فيروس «كورونا»، حيث كانت بؤرته مدينة ووهان الصينية، وكرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مصطلح «الفيروس الصيني» أكثر من مرة لفترة من الوقت، ولم يوقف هذا المسمى إلا بعد مكالمة مع نظيره الصيني.
وأغضب ترامب السويسريين حين قال إن أمريكا كانت ستخسر مليوني مواطن لو اتبعت النموذج السويسري في التعامل مع الوباء، وأغضب قبلهم الروس حين اتهم وسائل الإعلام الروسية بالتحريض ضد أمريكا، ونشر تقارير مضللة عنها بشأن أزمة «كورونا». وفي الوقت ذاته، أثارت مواقف الرئيس الأمريكي وتصريحاته بشان «كورونا» حفيظة حلفائه الأوروبيين، ما وجّه ضربة غير مسبوقة للعلاقات التاريخية بين طرفي الأطلسي.
صحيفة الغارديان البريطانية، في تقرير لها إلى طريق إدارة تفشي «كورونا» في أمريكا، كتبت إن إدارة ترامب أصبحت تشكل تهديداً للكثير من الدول الأوروبية بسبب الإجراءات العدائية والمتهورة التي قامت بها إدارته في خضم تفشي الفيروس.
كارثة موازية
تقرير الجارديان أفاد أنه وبفضل مواقف ترامب، تتكشف كارثة موازية أخرى في جميع أنحاء العالم ألا وهي تحطم مصداقية أمريكا كقائد وشريك آمن وجدير بالثقة وجدير بالاعتراف الدولي. وكتب ستيفن والت، أستاذ العلاقات العامة في جامعة هارفارد البريطانية: «إن استجابة إدارة ترامب الذاتية وغير المنضبطة وغير المتكافئة للفيروس ستكلف تريليونات الدولارات والموت المحتوم لآلاف الأمريكيين». وأضاف إن هذا لن يكون الضرر الوحيد الذي ستعاني منه الولايات المتحدة.
وأضاف: إن الفشل السياسي صاحب شعار «دعونا نجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى» (شعار حملة ترامب الانتخابية)، سيحطم مصداقية أمريكا كدولة تعرف كيف تحرك الأمور إلى الأمام بشكل فعال.
نموذجان
ويضيف تقرير «الغارديان» أن وزير الخارجية الألماني هيكو ماس، انتقد ترامب بسبب إدارته للأزمة، معتبراً أن استجابة الإدارة الأمريكية كانت بطيئة، حيث قارن في حوار مع صحيفة دير شبيغل بين «أسلوب الدولة السلطوية في مواجهة الوباء كما حدث في الصين، وأسلوب الإدارة الأمريكية الذي يعتمد على التقليل من المخاطر على المدى الطويل». ويوضح التقرير أن ماس أكد في حواره أن الطريقتين السابقتين لا تصلحان نموذجاً تحتذي به أوروبا، حيث إنهما يقعان على طرفي النقيض، سواء بالتشدد السلطوي أو التساهل المفرط.
العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا أصبحت في «حالة موت سريري وعلى أجهزة الإنعاش»، كما وصفتها الغارديان التي أشارت إلى أن ترامب «أساء إلى حلفاء واشنطن منذ تسلمه الرئاسة الأمريكية وأدت سياساته إلى تزايد الخلافات على الصعيد العالمي».
أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفرد الأمريكية ستيفن وولت أكد في هذا السياق أن إدارة ترامب استجابت للفيروس بطريقة أنانية وعشوائية، الأمر الذي سيكلف الأمريكيين خسائر بآلاف الأرواح وتريليونات الدولارات التي كان من الممكن تجنبها.
«الصحة العالمية»
أزمة «كورونا» أثارت كذلك جدلاً بين ترامب ومنظمة الصحة العالمية التي ردت على تهديده بوقف تمويلها، قائلة إن هذه الخطوة لن تكون مناسبة في الوقت الحالي، حيث يهدد «كورونا» العالم بأكمله.
وقال هانز كلوج مدير منظمة الصحة العالمية في أوروبا الأربعاء: «ما زلنا في المرحلة الحادة من الوباء، لذا لم يحن الوقت الآن لخفض التمويل».
وكان ترامب هدّد بوقف تمويل الصحة العالمية، معتبراً أنها تعاملت بشكل خاطئ مع «كورونا»، وأنها تحيّزت للصين. كما انتقد استجابة المنظمة الأولية للفيروس، الذي نشأ في ووهان الصينية في أواخر عام 2019، والوقت المستغرق لإعلانه وباءً عالمياً في 11 مارس.