عامل دليفري سوري في نيويورك يكتشف أن العمل على حساب زوجته قد يفتح عليه ورطة غير متوقعة
لم يكن «كريم»، الشاب السوري المقيم في بروكلين، يتخيّل أن ترتيبًا عائليًا يراه بسيطًا يمكن أن يتحوّل إلى مشكلة حقيقية مع شركة التوصيل التي يعتمد عليها في دخله اليومي؛ كل ما فعله أنه استخدم حساب زوجته على تطبيق دليفري شهير، وقاد دراجته الكهربائية بدلًا منها لإنجاز الطلبات.
حساب باسم الزوجة… والعمل على عاتق الزوج
وصل كريم إلى الولايات المتحدة قبل سنوات قليلة، وما زال يحاول تثبيت وضعه القانوني وتحسين دخله. لغته الإنجليزية محدودة، ويجد صعوبة في التعامل مع النماذج الإلكترونية والتطبيقات، بينما زوجته «أميرة» أكثر إلمامًا بالإنترنت واللغة.
تقدّمت أميرة بطلب لفتح حساب على أحد تطبيقات التوصيل المعروفة في نيويورك، وقدّمت صورة هويتها وصورة شخصية (سيلفي)، وتم تفعيل الحساب دون مشاكل. في البداية كانت الخطة أن تعمل هي لساعات محدودة صباحًا، لكن رعاية الأطفال وضغط البيت جعلا من الصعب عليها الخروج بشكل منتظم.
تدريجيًا، تحوّل الأمر إلى اتفاق غير مكتوب داخل الأسرة: الحساب باسم أميرة، لكن الشخص الذي يتحرّك في الشوارع، ويركب الدراجة الكهربائية، ويوصل الطلبات في أغلب الأوقات هو كريم. بالنسبة لهما، الدخل يدخل إلى بيت واحد، والتطبيق لن يهتم كثيرًا بمن يحمل الهاتف طالما الطلبات تصل للزبائن في وقتها.
كان التطبيق يطلب بين الحين والآخر صورة سيلفي لتأكيد هوية صاحب الحساب، فكانت أميرة تلتقط الصورة في البيت، ثم تعطي الهاتف لكريم ليخرج بالدراجة وينفّذ الطلبات. من وجهة نظرهما، لم يكن في الأمر «جريمة»؛ مجرد أسلوب حياة لعائلة مهاجرة تحاول تدبير أمورها.
حادث بدراجة توصيل في شارع ضيق ببروكلين
في إحدى ليالي الشتاء، كان كريم ينفّذ عدة طلبات متتالية عبر التطبيق مستخدمًا دراجته الكهربائية المستأجرة أسبوعيًا من أحد المحلات المتخصصة في تأجير دراجات الدليفري. الشوارع كانت مزدحمة، والجو ممطر، والأسفلت مبلل.
أثناء مروره بجوار صف من السيارات المتوقفة في شارع ضيق، فتح أحد السائقين باب سيارته فجأة دون أن ينتبه لقدوم الدراجة. لم يستطع كريم التوقف في الوقت المناسب، فاصطدم بالباب وسقط على جانبه بقوة، وتعرض لرضوض في الكتف والركبة.
تجمّع بعض المارة، واتصل أحدهم برقم الطوارئ 911، ووصلت سيارة إسعاف إلى المكان. سأل المسعفون كريم عن اسمه وعمره وما إذا كان يشعر بدوار أو ألم شديد، ثم طرحوا السؤال المعتاد في مثل هذه الحالات: «هل كنت تعمل وقت الحادث؟» فأجاب كريم بصراحة أنه كان يوصّل طلبًا عبر أحد تطبيقات الدليفري المعروفة، وذكر اسم التطبيق.
في المستشفى… خانة «إصابة مرتبطة بالعمل» تغيّر كل شيء
نُقل كريم إلى قسم الطوارئ في أحد المستشفيات القريبة. ضمن إجراءات الاستقبال، سألته الممرضة مرة أخرى عما إذا كانت الإصابة مرتبطة بالعمل، فأكّد لها أنه كان في مهمة توصيل وقت الحادث، وذكرت في النموذج اسم التطبيق ورقم هاتفه المحمول في خانة الإصابات المرتبطة بالعمل.
في الولايات المتحدة، كثير من المستشفيات وشركات إدارة المطالبات الطبية تعتمد على أنظمة إلكترونية تتواصل أحيانًا مع الشركات أو المنصات التي يُذكر اسمها في نماذج الإصابات، للاستفسار عما إذا كان المصاب من العاملين لديها أو مشمولًا بأي برامج خاصة بإصابات العمل أو الدعم.
لاحقًا، وأثناء معالجة الفواتير الطبية، أرسلت شركة إدارة المطالبات التي تتولى الفوترة للمستشفى استفسارًا إلكترونيًا مختصرًا إلى تطبيق التوصيل، تذكر فيه اسم كريم ورقم هاتفه وأنه صرّح بأنه كان يعمل على المنصة وقت الحادث، وتسأل ببساطة: هل هذا الشخص مسجل كسائق لديكم؟
تطابق بين بيانات الهاتف وسجل الطلبات يكشف المفارقة
عندما وصل الاستفسار إلى قسم «السلامة والامتثال» في شركة التوصيل، أدخل الموظف رقم الهاتف المذكور في النظام الداخلي للمنصة. أظهر النظام أن هذا الرقم مسجَّل فعلًا، لكن ليس باسم كريم، بل مرتبط بحساب نشط باسم «أميرة» هو الذي تُرسَل إليه رموز التفعيل ورسائل الإشعارات.
عند مراجعة سجل الطلبات في الوقت والتاريخ اللذين يشير إليهما تقرير المستشفى، تبيّن أن حساب أميرة نفّذ طلبًا في بروكلين في نفس الفترة تقريبًا، وعلى بُعد مسافة قصيرة من المكان المسجَّل فيه وقوع الحادث. كما أظهرت البيانات التقنية أن الجهاز نفسه الذي ينفّذ به الحساب الطلبات هو ذاته الذي كان متصلًا بالمنصة خلال الأشهر الماضية.
بالنسبة للشركة، لم يكن من الصعب تكوين صورة واضحة: شخص واحد أصيب أثناء توصيل طلب، اسمه في أوراق المستشفى هو كريم، بينما الحساب في النظام مسجَّل باسم زوجته أميرة، ويُستخدم من جهاز واحد منذ فترة طويلة.
إيقاف الحساب و«مكالمة تحقيق» مع قسم السلامة
تلقت أميرة رسالة بريد إلكتروني من قسم «السلامة والامتثال» في التطبيق تخبرها بأن حسابها قد تم إيقافه مؤقتًا بسبب «مخالفة محتملة لسياسات المنصة المتعلقة بهوية السائق»، وتطلب منها تحديد موعد لمكالمة هاتفية لشرح ما حدث.
في المكالمة، سألها الموظف مباشرة عما إذا كانت هي من ينفّذ الطلبات بنفسها، أم أن شخصًا آخر يستخدم الحساب على الدراجة. حاولت أميرة أن تشرح أن زوجها هو من يعمل فعليًا لأنه أقدر على القيادة، وأنهما أسرة واحدة، وأنهما لم يقصدا خداع أحد، وأن الزبائن يحصلون على طلباتهم في وقتها ولا أحد يشتكي من الخدمة.
لكن الموظف أوضح لها أن سياسات المنصة، التي وافقت عليها عند التسجيل، تنص بشكل صريح على أن الشخص المسجَّل في الحساب هو وحده المسموح له بتنفيذ الطلبات، وأن الهدف من ذلك هو حماية الزبائن وضمان معرفة هوية الشخص الذي يطرق الباب بالفعل، وأن أي استخدام للحساب من شخص آخر يُعد خرقًا للاتفاق.
بعد مراجعة إضافية للبيانات والتقارير، اتخذت الشركة قرارًا بإغلاق حساب أميرة نهائيًا، مع وضع ملاحظة داخلية تمنع فتح حساب جديد باسمها في المستقبل، بالإضافة إلى الإشارة داخل النظام إلى أن الحساب استُخدم من شخص آخر غير المسجَّل رسميًا، ما يجعل تسجيل كريم نفسه كسائق جديد لاحقًا أكثر صعوبة.
ورطة مادية ومهنية… حتى بدون قضية جنائية
من الناحية القانونية، لم تُرفع قضية جنائية ضد كريم؛ فالحادث بالدراجة لم يؤدِّ إلى إصابات خطيرة للآخرين، والمستشفى تعاملت مع إصابته كحالة طبية عادية سيتم تحصيل تكاليفها عبر التأمين الصحي أو ترتيبات الدفع، دون الدخول في نزاع قضائي معه.
لكن النتيجة العملية كانت قاسية بالنسبة للأسرة: فقدان مصدر دخل أساسي كانوا يعتمدون عليه شهريًا، واضطرار كريم للتوقف عن العمل لفترة، والبحث عن بدائل أقل استقرارًا. كما أن فكرة التسجيل مستقبلاً في منصات مشابهة أصبحت أكثر تعقيدًا مع تشديد هذه التطبيقات على التحقق من الهوية بعد انتشار حالات استخدام حسابات الآخرين.
شرح لهم أحد المستشارين القانونيين أن ما فعلوه قد يُفسَّر في ظروف أخرى، لو ارتبط مثلًا بشكوى من زبون أو اعتداء أو حادث أكبر، كنوع من «الاستخدام غير المصرح به لحساب إلكتروني» أو «تضليل للمنصة»، وأن وجود تقارير رسمية تشير إلى أن شخصًا غير صاحب الحساب كان يعمل فعليًا على المنصة قد يفتح باب مسائلات أوسع إذا تكررت المشاكل.
رسالة تحذيرية للعاملين العرب في الدليفري
قصة كريم ليست حالة استثنائية، بل تعكس نمطًا موجودًا داخل بعض الجاليات العربية في الولايات المتحدة؛ حيث يُنظر إلى حساب تطبيق التوصيل كأنه «خط تليفون» يمكن لأي فرد من الأسرة استخدامه. لكن الواقع أن المنصات تبني منظومة الأمان بالكامل على فكرة معرفة الشخص الحقيقي الذي ينفّذ الطلب، وأن موافقتك على الشروط عند فتح الحساب تعني التزامك بأن لا يعمل على الحساب سواك.
قبل أن تقبل بالعمل على حساب زوجتك أو قريبك أو صديقك، تذكّر أن أي حادث أو إصابة أو تقرير طبي قد يربط اسمك الحقيقي بحساب ليس باسمك، وأن أنظمة الشركات اليوم قادرة على الربط بين بيانات المستشفيات، وسجلات الطلبات، وسجلات الأجهزة، بشكل قد يحوّل «حلًا عائليًا بسيطًا» إلى ورطة مالية ومهنية أنت في غنى عنها.حكم






