تصاعد لافت أثار قلق المسؤولين والمواطنين على حد سواء، شهد الساحل الشرقي للولايات المتحدة سلسلة مشاهدات لعشرات الطائرات المسيّرة المجهولة منذ منتصف نوفمبر. هذه الظاهرة، التي بدأت برصد طائرات غامضة فوق نيوجيرسي، امتدت لتشمل عدة ولايات مجاورة، وأثارت العديد من التساؤلات حول مصدرها وهدفها، وسط تصريحات متضاربة من المسؤولين والمواطنين.
تجربة تتبع فاشلة
وفي محاولة يائسة لكشف الغموض الذي يحيط بالطائرات المسيّرة المجهولة التي تجوب سماء نيوجيرسي، أطلق شريف مقاطعة أوشن، مايكل ماستروناردي، طائرة درون صناعية متطورة لتتبع واحدة من هذه الأجسام، لكنه فوجئ بقدرتها العالية على المناورة والهرب بسهولة.
أماكن المشاهدات والطبيعة الغامضة للطائرات
بدأت المشاهدات في 18 نوفمبر، عندما أفاد سكان ومسؤولون برؤية طائرات بدون طيار تحلق فوق نيوجيرسي ونيويورك وكونيتيكت وماريلاند وماساتشوستس وبنسلفانيا. ووصفها المسؤولون بأنها طائرات متطورة، بعضها بحجم سيارة دفع رباعي، قادرة على التملص من الرصد وحتى “الاختفاء” بمجرد تتبعها، وفقًا لحاكم نيوجيرسي فيل مورفي.
ورُصدت هذه الطائرات في مناطق حساسة، بما في ذلك قواعد عسكرية مثل Picatinny Arsenal ومحطة الأسلحة البحرية Earle في نيوجيرسي. كما أغلقت المدارج في مطار ستيوارت الدولي في نيويورك لمدة ساعة بسبب نشاط إحدى الطائرات المجهولة، وفقًا لحاكمة نيويورك كاثي هوكول.
جهود السلطات والتحقيقات الجارية
رغم القلق المتزايد، أكدت كل من مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) ووزارة الأمن الداخلي أنه لا يوجد دليل على أن هذه الطائرات تشكل تهديدًا أمنيًا أو أنها مرتبطة بجهات خارجية معادية. وفي مؤتمر صحفي، صرح متحدث باسم FBI بأن المكتب تلقى أكثر من 5,000 بلاغ عن هذه الطائرات عبر خط بلاغات وطني، إلا أن أقل من 100 منها استحق التحقيق الإضافي.
قالت السلطات أيضًا إنها تعمل مع الشركاء المحليين والفيدراليين لفهم مصدر هذه الأنشطة. ومع ذلك، وصف أحد مسؤولي المكتب ردود الفعل بأنها “مبالغ فيها” إلى حد ما.
تصريحات متضاربة وتكهنات متعددة
في الوقت الذي دعا فيه الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى إسقاط الطائرات، حذر مسؤولون من مخاطر الحطام المتساقط في المناطق المدنية. أما عضو الكونغرس جيف فان درو فقد أثار الجدل بالقول إن هذه الطائرات ربما أُطلقت من “سفينة إيرانية أم” قبالة الساحل الشرقي، وهو ادعاء رفضه البنتاغون تمامًا.
بدورها، طالبت حاكمة نيويورك الكونغرس بتعزيز الرقابة الفيدرالية على الطائرات المسيّرة وتوفير معدات لمكافحة الطائرات بدون طيار لوكالات إنفاذ القانون المحلية. كما أرسل رؤساء بلديات 21 بلدة في نيوجيرسي خطابًا إلى حاكم الولاية فيل مورفي يطالبون فيه بمزيد من الشفافية والمعلومات حول هذه الظاهرة.
حادثة المنطاد الصيني: سياق أمني مقلق
تأتي هذه الحوادث بعد أقل من عام على حادثة المنطاد الصيني الشهيرة، التي لا تزال تلقي بظلالها على قضايا الأمن القومي الأمريكي. في فبراير 2023، رصد الجيش الأمريكي منطادًا صينيًا ضخمًا يحلق فوق الأراضي الأمريكية، ما أثار توترات دبلوماسية بين البلدين.
بدأت الحادثة عندما عبر المنطاد، الذي وصفته الصين بأنه “أداة بحث مدني خرجت عن مسارها”, المجال الجوي الأمريكي، وصولاً إلى مونتانا، حيث رُصد فوق مواقع صواريخ نووية. اعتبرت الولايات المتحدة الحادثة اختراقًا سياديًا، وأُسقط المنطاد قبالة سواحل كارولاينا الشمالية باستخدام صواريخ F-22.
وفي الأيام التالية، أسقطت الولايات المتحدة ثلاثة أجسام طائرة أخرى فوق أراضيها، ما أثار قلقًا متزايدًا بشأن استخدام تقنيات طيران متطورة للتجسس أو التهديد.
الطائرات المسيّرة في سياق الأمن القومي
رغم تأكيد السلطات أن الطائرات المسيّرة المجهولة لا تمثل تهديدًا أمنيًا مباشرًا، إلا أن الحوادث المتكررة للطائرات غير المصرح بها بالقرب من المنشآت العسكرية أثارت تساؤلات حول مدى استعداد الولايات المتحدة للتعامل مع تهديدات غير تقليدية.
في أكتوبر الماضي، على سبيل المثال، أُبلغ عن أسراب من الطائرات المسيّرة فوق قاعدة عسكرية في فرجينيا وموقع أمني تابع لوزارة الطاقة في نيفادا.
وفي تطور آخر، اعتُقل مواطن صيني في نوفمبر الماضي بمحاولة تصوير قاعدة Vandenberg الفضائية باستخدام طائرة مسيّرة، بينما حُكم على آخر بالسجن ستة أشهر في أكتوبر لتصوير سفن بحرية أمريكية مصنفة سرية.
نظرة إلى المستقبل
رغم الجهود المستمرة لفهم وتحليل هذه الظاهرة، تبقى الأسئلة قائمة حول مصدر هذه الطائرات المسيّرة وهدفها. هل هي جزء من عمليات مراقبة أجنبية؟ أم أنها تمثل جيلًا جديدًا من تقنيات الطيران المدنية؟
بينما تعمل السلطات على تقديم إجابات، يبقى المواطنون في حالة ترقب، آملين في الكشف عن الحقيقة الكاملة وراء هذا اللغز الذي لا يزال يشغل الرأي العام.