غيرة تتراكم ورسائل على الهاتف تشعل الشرارة
مازن يعمل في محل بقالة لساعات طويلة، وزوجته «ليلى» ترعى طفليهما وتعمل بدوام جزئي عن بُعد مع شركة عربية للإعلانات. في الشهور الأخيرة، بدأ يشعر أن زوجته تمضي وقتًا أطول على الهاتف، مكالمات ورسائل مع زميل العمل والمسؤول المباشر عليها، أغلبها بخصوص الشغل لكن التوقيت المتأخر أحيانًا كان يثير شكّه.
لم يكتشف مازن أي دليل مباشر على خيانة، لكن تعليقات بعض الأصدقاء عن انتشار «العلاقات أونلاين» جعلته أكثر حساسية. صار يسأل زوجته بتوتر عن كل رسالة، ويطلب منها أن تريه الهاتف بين الحين والآخر. كانت ليلى تريه أحيانًا بدافع التهدئة، لكنها في أحيان أخرى كانت ترفض قائلة إن لها حقًا في بعض الخصوصية، وإن معظم الكلام عن الحملات الإعلانية والعمل.
هذا الشد والجذب بين «الغيرة» و«الخصوصية» تراكم مع الوقت، حتى جاء المساء الذي انفجرت فيه الأزمة.
من نقاش حاد إلى محاولة انتزاع الهاتف بالقوة
في ليلة شتوية، بعد عودته متعبًا من العمل، لمح مازن زوجته تمسك بالهاتف في المطبخ وتكتب بسرعة، ثم تخفي الشاشة عندما اقترب منها. سألها بعصبية: «بتكلمي مين؟» فأجابته: «زميلي في الشغل، بنراجع مع بعض إعلان للحملة الجديدة». طلب منها أن يقرأ المحادثة، فردّت بضيق: «مش كل حاجة لازم تشوفها، ده شغل وخصوصيتي، وأنت عارف أني ما بعملش حاجة غلط».
ارتفع صوت مازن قائلًا: «طالما مافيش حاجة غلط اديني الموبايل»، وامتدّت يده فجأة ليمسك الهاتف من يدها. تشبثت به ليلى محاولة منعه، فحصل شدّ قوي على الهاتف، وعلت الأصوات. في لحظة توتر، دفع مازن يد زوجته بقوة لانتزاع الهاتف، فسقط الجهاز على الأرض، وارتطمت يد ليلى بطرف الطاولة مخلِّفةً احمرارًا وكدمة خفيفة.
طفلاهما، اللذان كانا في غرفة المعيشة، بدآ في البكاء عندما سمعا الصراخ. ليلى صرخت بدورها: «سيبني، ما تضربنيش علشان موبايل!» ثم دخلت إلى غرفة النوم وهي تبكي وتغلق الباب خلفها.
اتصال من الجيران بـ 911 وتحويل الخلاف العائلي إلى «حادث منزلي»
لم تمر دقائق حتى كانت إحدى الجارات الأمريكيات في الطابق نفسه قد اتصلت برقم الطوارئ 911، وأبلغت عن سماع صراخ وبكاء أطفال من داخل الشقة المقابلة. في الولايات المتحدة، كثير من الجيران يشعرون بأن عليهم واجبًا بالإبلاغ عن أي احتمال لعنف منزلي، حتى لو لم يطلب أصحاب البيت ذلك.
وصلت دورية شرطة خلال وقت قصير، وطرق الضابطان الباب. فتح مازن وهو مرتبك، فطلبا الدخول للتأكد من سلامة من في المنزل، وفق بروتوكول التعامل مع بلاغات العنف المنزلي. دخل الضابطان إلى غرفة المعيشة، وطلبا من الجميع الجلوس في أماكن متفرقة، ثم قرر أحدهما التحدّث مع مازن في المطبخ بينما انفردت الضابطة الأخرى بليلى في غرفة النوم.
أسئلة تفصيلية وكدمة بسيطة تتحول إلى دليل
سأل الضابط مازن عن سبب الاتصال، فأجاب بأن الأمر مجرد خلاف عادي بين زوجين بسبب الغيرة على الهاتف، وأنه لم يضرب زوجته إطلاقًا. في المقابل، كانت الضابطة تسأل ليلى أسئلة معيارية: «هل سبق أن رفع يده عليك؟ هل أنتِ خائفة الآن؟ هل تحتاجين إلى طبيب؟ هل يوجد أطفال؟ هل توجد أسلحة في البيت؟».
أظهرت ليلى يدها التي تحمل احمرارًا وكدمة صغيرة في الرسغ، وقالت إنها نتيجة الشدّ على الهاتف وأنه لم يلكمها أو يصفعها، لكنها شعرت بأنه تجاوز الحدود. الضابطة التقطت صورة للكدمة بهاتف الخدمة، ودوّنت ما تقوله ليلى في تقرير «حادث منزلي» (Domestic Incident Report)، لأن وجود أثر جسدي ولو بسيط يمكن أن يُعتبر دليلًا على استعمال قوة غير مبرَّرة.
عندما سُئلت ليلى إن كانت تريد «توجيه اتهام» أم لا، قالت إنها لا تريد تدمير حياة زوجها أو إدخاله السجن، لكنها لا تريد في الوقت نفسه تكرار ما حدث. الضابطة أوضحت لها أن القرار النهائي بشأن توجيه اتهام من عدمه يعود للادعاء العام إذا توفرت قرائن كافية، وأن دور الشرطة هو توثيق ما حدث واتخاذ ما يلزم لسلامة الموجودين في البيت.
أمر حماية مؤقت وإبعاد الزوج عن البيت
بناءً على سياسة المقاطعة التي تشجع على التدخل المبكر في قضايا العنف المنزلي، قرر الضابطان طلب حضور مشرف، وبعد مراجعة تفاصيل البلاغ والصور، تم إبلاغ مازن بأنه سيُحرَّر ضده تقرير اعتداء بسيط (Simple Assault) على خلفية الحادث، وأنه سيتم إصدار «أمر حماية مؤقت» (Temporary Restraining Order) يمنعه من الاقتراب من زوجته أو البيت إلى حين مثوله أمام القاضي في جلسة قريبة.
حاول مازن أن يشرح أنه لم يقصد إيذاءها وأنه فقط حاول أخذ الهاتف، لكن الضابط أوضح له بهدوء أن القانون لا يفرّق كثيرًا بين «النية» و«النتيجة» في مثل هذه الوقائع، وأن استخدام القوة الجسدية لانتزاع شيء من يد شخص آخر، خاصة داخل سياق خلاف عاطفي أو زوجي، يمكن أن يُعتبر شكلًا من أشكال العنف.
اضطر مازن لجمع بعض أغراضه والخروج تلك الليلة إلى بيت قريب له، بينما بقيت ليلى مع الأطفال في الشقة. تم تزويدها برقم خط ساخن لخدمات مساعدة ضحايا العنف المنزلي، وأُبلغت بموعد الجلسة الأولى أمام المحكمة.
تداعيات قانونية ونفسية لم يكن أحد يتوقعها
في الأيام التالية، تلقى مازن استدعاء رسمي للمثول أمام المحكمة البلدية لبحث أمر الحماية والتهم المبدئية. نصحه محامٍ من الجالية بأن يتعامل مع الأمر بجدية؛ لأن وجود سجلّ عنف منزلي، حتى لو انتهى بتسوية، يمكن أن يؤثر لاحقًا على أي معاملات هجرة أو تجنيس، أو حتى على فرص عمل معيّنة تتطلب «سجلًا نظيفًا».
من جهتها، وجدت ليلى نفسها ممزَّقة بين الشعور بالذنب والخوف. هي لم تتصل بالشرطة أصلًا، لكن مجرد توثيق ما حدث ووصول الأمر للمحكمة جعلاها تدرك أن الموضوع أكبر من مجرد «غيرة زوج» أو «خناقة موبايل». كما تلقّت اتصالًا من موظفة خدمات حماية الطفل (CPS) تسأل عن حالة الأطفال وما إذا كانوا يشهدون خلافات متكررة في البيت، وهو إجراء معتاد عندما يكون هناك بلاغ عنف منزلي بحضور أطفال.
بين الغيرة والخصوصية… أين يقف القانون؟
قصة عائلة مازن وليلى ليست استثناء؛ فكثير من الأزواج والزوجات في الجاليات العربية يتعاملون مع موضوع الهاتف ووسائل التواصل على أنه جزء من «حق الشريك في الاطمئنان»، فيطلب أحدهم كلمة السر أو يتفحّص الرسائل باستمرار، وربما يستخدم القوة أو الصراخ لانتزاع الهاتف في لحظة غضب.
لكن في السياق الأمريكي، ومع وجود قوانين صارمة لحماية ضحايا العنف المنزلي، يمكن أن تتحوّل هذه اللحظة إلى نقطة فاصلة: تقرير شرطة، أمر حماية، تحقيق من خدمات حماية الطفل، وسجلّ قد يظل مرافقًا لصاحبه لسنوات.
لا يعني ذلك أن القانون يمنع الأزواج من النقاش حول الثقة والغيرة، لكنه يضع خطًا واضحًا: السيطرة على هاتف الشريك أو ممتلكاته بالقوة، أو تهديده أو محاصرته بسبب ما فيه، يمكن أن يُفسَّر كتصرف مسيطر ومهدّد، وليس مجرد «غيرة طبيعية».
رسالة إلى الأسر العربية في أمريكا
الرسالة الأهم من هذه القصة هي أن الخلافات الزوجية، خصوصًا في زمن الهواتف الذكية، تحتاج إلى حوار هادئ وحدود متفق عليها، لا إلى شدّ بالأيدي وتهديد وتفتيش قسري. فمن السهل جدًّا أن يتدخل طرف ثالث – جار يسمع صراخًا أو طفل يبوح بما جرى في المدرسة – لتتحوّل لحظة غضب قصيرة إلى ملف قانوني طويل.
إذا شعرت بالشك أو الغيرة، فابحث عن استشارة أسرية أو دينية أو نفسية، وركّز على بناء الثقة بدلًا من كسر خصوصية الطرف الآخر بالقوة. ففي بلد مثل الولايات المتحدة، كلمة «عنف منزلي» لا تعني فقط الضرب المبرح، بل تشمل أيضًا محاولات التحكم والسيطرة التي تُستخدم فيها القوة الجسدية ولو بدرجة بسيطة.






