ما الذي أعلنه ممداني بالضبط؟
في مقابلة مع قناة محلية وتقارير نشرتها منصة «abc7NY»، قال ممداني إن ما تقوم به المدينة اليوم من تفكيك مخيمات المشردين وإتلاف ممتلكاتهم الأساسية، مثل الأغطية والملابس، هو «سلوك غير إنساني» لا يعالج جذور المشكلة، بل يدفع الأشخاص بلا مأوى إلى مزيد من الهشاشة والضياع.
وأوضح أنه اعتبارًا من يناير المقبل، عندما يتسلم منصبه رسميًا، سيصدر تعليمات لوقف هذه الحملات المعروفة إعلاميًا باسم «homeless sweeps»، والتركيز بدلًا من ذلك على توفير مساكن دائمة وبرامج دعم مرافقة، تشمل خدمات الصحة النفسية والإدمان، وفرص العمل.
كما أشار إلى أنه لن يلجأ إلى «الإيداع القسري» (involuntary commitment) في المستشفيات أو المراكز النفسية إلا في «أندر الحالات»، معتبرًا أن استخدام هذا الإجراء على نطاق واسع ينطوي على انتهاكات محتملة للحقوق المدنية، ويزيد من شعور المشردين بعدم الأمان تجاه السلطات.
خلفية عن سياسة «كنس المشردين» في عهد آدامز
خلال السنوات الماضية، واجهت إدارة العمدة المنتهية ولايته إريك آدامز انتقادات واسعة من منظمات حقوقية وجماعات مجتمع مدني، بسبب ما اعتبرته هذه الجهات «حملات قاسية» ضد المشردين في المتنزهات، وتحت الجسور، وعلى الأرصفة، خصوصًا في مانهاتن وميدتاون و«إيست فيليدج».
كانت فرق البلدية، بمشاركة شرطة نيويورك، تقوم بتفكيك الخيام وإزالة الأغراض الشخصية للمشردين، بما فيها الأوراق الثبوتية أحيانًا، بحجة الحفاظ على «النظام العام» و«نظافة المدينة». لكن منتقدين قالوا إن هذه السياسة لم تُثبت أنها تقلل من أعداد المشردين، بل تدفعهم إلى الانتقال من حي إلى آخر، من دون حل حقيقي لأزمة السكن.
كما ارتبطت هذه الحملات بتوترات متكررة بين الشرطة وسكان الأحياء، وخصوصًا في المناطق التي تتجاور فيها أحياء سكنية لمهاجرين جدد مع مخيمات لمشردين، حيث يخشى الأهالي من تأثير المشهد على أطفالهم، وفي الوقت نفسه يتعاطفون مع من فقدوا المأوى ولا يملكون بديلًا واضحًا.
كيف يُتوقع أن يتغير التعامل مع التشرد في المدينة؟
ممداني، المعروف بخلفيته التقدمية، أعلن أن إدارته ستتبنى مقاربة «الإسكان أولًا» (Housing First)، أي اعتبار توفير السكن المستقر نقطة الانطلاق لأي برنامج لمعالجة الإدمان أو البطالة أو المشكلات النفسية لدى الأشخاص بلا مأوى. وهذا يعني توجيه موارد البلدية نحو زيادة عدد الأسرة في الملاجئ الدائمة، والتوسع في برامج «السكن المدعوم» لمن لديهم دخل محدود.
كما يُتوقع أن تعمل الإدارة الجديدة على مراجعة التعاون بين الشرطة وفرق الخدمات الاجتماعية في الشارع، بحيث تقل مشاركة عناصر إنفاذ القانون في التعامل المباشر مع المشردين، ويزداد الاعتماد على فرق مدرَّبة من الأخصائيين الاجتماعيين ومستشاري الصحة النفسية.
التحدي الرئيس أمام ممداني سيكون التمويل والبيروقراطية؛ إذ تحتاج خطة من هذا النوع إلى موازنات كبيرة، وإلى تنسيق مع حكومة الولاية، ومع منظمات غير ربحية تدير جزءًا من الملاجئ في أحياء مثل برونكس وبروكلين وكوينز.
أبعاد القرار على الجالية العربية في نيويورك
يعيش في نيويورك عشرات آلاف العرب من أصول يمنية ومصرية وسورية وفلسطينية ولبنانية وغيرها، كثير منهم في أحياء شعبية تتقاطع فيها قضايا السكن والبطالة وغلاء الإيجارات مع مشكلة التشرد المنتشرة في المدينة.
بالنسبة للعائلات العربية ذات الدخل المحدود، يمكن أن يسهم توسيع برامج السكن المدعوم في منح بعض الأسر فرصًا أفضل للاستقرار، وخاصة الأسر التي تعيش على حافة فقدان السكن نتيجة التأخر في دفع الإيجار أو فقدان الوظيفة. كما أن تحسين الخدمات في الملاجئ قد يعني بيئة أكثر أمانًا للأفراد العرب الذين قد يضطرون إلى اللجوء إليها لفترات مؤقتة.
في المقابل، قد يثير قرار وقف حملات كنس المخيمات قلق بعض السكان، بمن فيهم عرب، يخشون من زيادة عدد المخيمات في الأحياء التجارية أو بالقرب من المدارس ودور العبادة. هنا تبرز أهمية التواصل المباشر بين البلدية والجاليات، لشرح الخطط وتقديم معلومات واضحة عن كيفية الحفاظ على السلامة العامة بالتوازي مع احترام كرامة الأشخاص بلا مأوى.
من جانب آخر، يفتح هذا التغيير الباب أمام منظمات عربية ومحلية للمشاركة في برامج الدعم، سواء عبر تقديم خدمات ترجمة للعائلات العربية المتضررة، أو المساهمة في مبادرات مجتمعية لتقديم وجبات ساخنة، أو جمع تبرعات لمساعدة من يخرجون من حالة التشرد إلى سكن دائم.
وبالنسبة للقراء العرب في أمريكا، تُعد هذه التطورات مثالًا على كيفية اختلاف السياسات المحلية بين إدارة وأخرى، وعلى أهمية متابعة قرارات رؤساء البلديات والمجالس البلدية، لأنها تمس مباشرة تفاصيل الحياة اليومية: من السكن إلى المواصلات إلى الخدمات الاجتماعية.






