كشف استطلاع رأي جديد أجرته لجنة ميزانية المواطنين (Citizens Budget Commission) عن تراجع كبير في رضا سكان مدينة نيويورك عن جودة الحياة والخدمات العامة، مما يرسم صورة قاتمة لمدينة تكافح من أجل استعادة حيويتها بعد جائحة كورونا. يقدم التقرير، الذي يحمل عنوان “مباشرة من سكان نيويورك 2025″، بيانات مقلقة تشير إلى أن التحديات المتعلقة بالقدرة على تحمل التكاليف والسلامة العامة لا تزال تؤثر بشكل كبير على حياة سكان المدينة.
وفقاً للاستطلاع، فإن 34% فقط من سكان نيويورك يقيمون جودة الحياة في المدينة على أنها “ممتازة” أو “جيدة”، وهو انخفاض حاد مقارنة بنسبة 51% في عام 2017، قبل تفشي الوباء. وعلى الرغم من أن هذه النسبة تمثل تحسناً طفيفاً عن استطلاع عام 2023، إلا أنها تظهر أن المدينة لا تزال بعيدة عن مستويات الرضا السابقة.
أحد أكثر النتائج إثارة للقلق يتعلق بالشعور بالأمان في وسائل النقل العام. فقد أظهر الاستطلاع أن تقييمات السلامة في مترو الأنفاق منخفضة بشكل ينذر بالخطر، حيث يشعر 50% فقط من السكان بالأمان أثناء استخدامه خلال النهار، وتنخفض هذه النسبة إلى 22% فقط في الليل. هذه الأرقام تمثل انخفاضاً كبيراً عن عام 2017، وتأتي على الرغم من التقارير الرسمية التي تشير إلى انخفاض في الجرائم الخطيرة في نظام المترو.
فجوات جغرافية وديموغرافية في الرضا
يسلط التقرير الضوء على تفاوتات كبيرة في مستويات الرضا بين مختلف أحياء المدينة والمجموعات السكانية. consistently سجل سكان حي برونكس أدنى مستويات الرضا في جميع المجالات تقريباً، بما في ذلك جودة الحياة في المدينة، والشعور بالأمان ليلاً ونهاراً، وتقييم جميع خدمات الأحياء. هذه النتيجة تؤكد على التحديات المستمرة التي يواجهها هذا الحي، والذي يضم نسبة كبيرة من السكان من الأقليات والطبقة العاملة.
كما كشف الاستطلاع عن فجوة عرقية واضحة، حيث قيم السكان من أصول أفريقية (Black) وهسبانية (Hispanic) الخدمات على مستوى المدينة والأحياء بدرجة أقل من السكان البيض والآسيويين. هذا التفاوت يعكس على الأرجح التباينات في جودة الخدمات المقدمة والتحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها هذه المجتمعات بشكل غير متناسب.
ومن المثير للاهتمام أن الاستطلاع أظهر تراجعاً حاداً في الرضا بين الأسر ذات الدخل المرتفع. في عام 2017، كان سكان نيويورك الذين يكسبون أكثر من 100,000 دولار سنوياً أكثر إيجابية بكثير في تقييمهم لجودة الحياة. لكن بحلول عام 2025، تلاشت هذه الفجوة تقريباً، حيث انخفضت نسبة الرضا بين هذه الفئة بنحو 50%. هذا الانخفاض الحاد قد يشير إلى أن المشاكل النظامية في المدينة، مثل السلامة والخدمات، أصبحت تؤثر على جميع شرائح المجتمع، وليس فقط على الفئات الأكثر ضعفاً.
نقاط مضيئة وتحديات مستمرة
على الرغم من الصورة العامة القاتمة، أشار التقرير إلى بعض النقاط المضيئة. فقد تعافت تقييمات السكان للمنتزهات والملاعب في أحيائهم بالكامل لتعود إلى مستويات ما قبل الوباء، حيث قيمها 56% بأنها “ممتازة” أو “جيدة”. كما ارتفعت نسبة الرضا عن توفر الأنشطة الثقافية في الأحياء لتصل إلى 50%، متجاوزة نسبة 48% المسجلة في عام 2017.
ومع ذلك، تظل التحديات الرئيسية قائمة. فالقدرة على تحمل التكاليف، والتحولات الاقتصادية، والمخاوف بشأن جودة الحياة والخدمات العامة والسلامة، تهدد قدرة نيويورك على جذب السكان والاحتفاظ بهم. ويخلص التقرير إلى أن “تعافي الرضا بعد الوباء في المدينة لم يكتمل بعد”، ويدعو إلى ضرورة توجيه جهود التحسين والسياسات والموارد نحو معالجة الاستياء المستمر، خاصة في حي برونكس وبين السكان السود واللاتينيين.
بالنسبة للمجتمعات العربية والمهاجرة، تعكس هذه النتائج واقعاً يومياً ملموساً. فالعديد من هذه العائلات تعيش في أحياء تواجه نقصاً في الخدمات وتعتمد بشكل كبير على وسائل النقل العام. إن الشعور بعدم الأمان في المترو وتراجع جودة الخدمات يؤثر بشكل مباشر على حياتهم وقدرتهم على الوصول إلى العمل والمدارس. تأتي هذه البيانات في وقت حاسم، حيث يتنافس المرشحون لمنصب عمدة المدينة على تقديم حلول لهذه المشاكل، ومن المرجح أن تلعب هذه القضايا دوراً محورياً في تحديد نتيجة الانتخابات المقبلة.