يشهد الساحل الشرقي للولايات المتحدة أزمة اقتصادية بسبب إضراب عمال الموانئ الذي أدى إلى توقف حركة البضائع. بالرغم من عرض اللحظة الأخيرة الذي قدمته شركات الشحن، فإن الاتحاد العمالي رفضه وبدأ العمال إضرابهم في موانئ من ولاية مين إلى تكساس، بما في ذلك ثاني أكبر ميناء في البلاد في نيويورك ونيوجيرسي. هذا الإضراب يهدد بخسارة مئات الملايين يومياً ويؤثر على الاقتصاد بأكمله، حيث تتوقف آلاف الحاويات عن الحركة وتبقى السفن منتظرة في الميناء.
الاتحاد الدولي لعمال الموانئ (ILA) طالب بزيادة الأجور بمقدار 5 دولارات في الساعة سنويًا خلال العقد الجديد مع ضمان عدم إدخال الأتمتة (النظم الالكترونية) في الموانئ. يطالب العمال أيضاً بزيادة في معاشات التقاعد وضمان بقاء جميع العائدات المتعلقة بالحاويات داخل نطاق الاتحاد. يشير القادة النقابيون إلى أن الأتمتة في موانئ أخرى لم تؤدِ إلى خفض الأسعار للمستهلكين، مشيرين إلى أن أسعار السيارات والمواد الغذائية ارتفعت بالرغم من استخدام التكنولوجيا المتطورة.
على الجانب السياسي، تدخل الرئيس جو بايدن لدعم العمال، حيث دعا شركات الشحن إلى التفاوض مجدداً وتقديم عرض عادل يتناسب مع أرباحهم القياسية. ولكن هذا الدعم يأتي في وقت حساس سياسيًا واقتصاديًا، حيث يقترب موسم الانتخابات وشراء مستلزمات عيد الميلاد، مما يزيد الضغط على الحكومة للتوصل إلى حل.
يعاني الاقتصاد المحلي بسبب هذا الإضراب، حيث يُتوقع أن يكلف المنطقة المحيطة بنيويورك ونيوجيرسي ما بين 250 إلى 300 مليون دولار يومياً، مع تعطيل نقل بضائع بقيمة نحو مليار دولار يومياً. يتابع الخبراء هذا الإضراب عن كثب، محذرين من أن إطالة أمده قد يؤدي إلى خسائر بمليارات الدولارات وتأثيرات أوسع على الاقتصاد الوطني والدولي.
وبالرغم من أن تأثير الإضراب حاليًا ما زال محدودًا مقارنة بعدد العاملين في الموانئ، إلا أن موقعهم الاستراتيجي ضمن سلسلة الإمداد العالمية يجعلهم قوة مؤثرة. فحوالي 30 إلى 40% من البضائع التي تدخل الولايات المتحدة تتأثر بهذا الإضراب، مما قد يؤدي إلى نقص في المنتجات وزيادة في الأسعار على المدى الطويل.
على مستوى السياسة، يتردد البيت الأبيض في استخدام “قانون تافت-هارتلي” الذي يسمح بفرض فترة تهدئة لمدة 80 يومًا. قانون تافت-هارتلي هو قانون فدرالي صدر في عام 1947 بهدف تقنين العلاقة بين النقابات العمالية وأرباب العمل. يتيح القانون للحكومة التدخل في النزاعات العمالية إذا هددت هذه النزاعات الأمن القومي أو الاقتصاد بشكل خطير. أحد أبرز الأدوات التي يقدمها القانون هو إمكانية فرض “فترة تهدئة” تصل إلى 80 يومًا، يتم خلالها تعليق الإضراب واستئناف المفاوضات بين الأطراف المتنازعة. وتشير تصريحات بايدن إلى أن الحكومة الفيدرالية تفضل عدم التدخل المباشر في الوقت الحالي، حيث تعكس هذه السياسة دعماً قويًا للنقابات العمالية. ومع ذلك، قد يتغير هذا الوضع إذا استمر الإضراب لفترة طويلة وأدى إلى تآكل دعم الجمهور له، خاصة إذا استمرت التأثيرات السلبية على الاقتصاد لفترة طويلة.
في النهاية، يواجه الاقتصاد الأمريكي تحديًا مزدوجًا يتمثل في حل هذه الأزمة العمالية واستمرار الانتعاش الاقتصادي. التجار يعتمدون على المخزون المتاح بالفعل في المستودعات والمحلات، لكن أي تأخير إضافي في نقل البضائع قد يؤثر على السوق بشكل كبير، خاصة مع اقتراب موسم الأعياد.
على المدى الطويل، يبقى السؤال حول كيفية تأثير هذا الإضراب على الديناميات العمالية في الولايات المتحدة. هل ستستجيب الشركات لمطالب العمال وتقديم عقود أكثر عدلاً؟ أم أن هذا الإضراب سيتسبب في صراع طويل الأمد بين رأس المال والعمل؟ في كلتا الحالتين، تبدو الأيام القادمة حاسمة لمستقبل الموانئ والاقتصاد في الولايات المتحدة.
