مع صور لينين على الجدران وموسيقى عسكرية سوفيتية في الخلفية ومكاتب شبيهة بتلك العائدة لعناصر جهاز “كاي جي بي” يعيد متحف جديد في نيويورك مخصص لأجهزة الاستخبارات السوفيتية إحياء أجواء الحرب الباردة في قلب مانهاتن.
ويركز هذا المتحف الذي صممه المؤرخ الليتواني يوليوس أوربايتيس بدرجة كبيرة على التقنيات التي استخدمتها أجهزة الاستخبارات السوفيتية.
ويضم البهو العريض للمعرض في الجادة الـ14 في نيويورك، 3500 قطعة أصلية يقول أوربايتيس البالغ 55 عاماً إنه جمعها خلال 3 عقود من عمليات بحث “في العالم أجمع”.
ومن بين هذه المعروضات عشرات الكاميرات وآلات التصوير المصممة من جهاز “كاي جي بي” لإخفائها في أزرار أو أحزمة أو أكسسوارات ملبوسة أخرى، فضلا عن ميكروفونات مصغرة وقطع لإخفاء الوثائق تخبأ في كعوب الأحذية.
ويمكن للزوار معاينة “المظلة البلغارية” التي استخدمت في اغتيال الروائي والصحفي البلغاري المنشق جريجوري ماركوف عن طريق مظلة مسممة بمادة الريسين على طرفها، في إحدى أشهر حوادث الحرب الباردة.
كما يمكن أيضا رؤية الختم الأمريكي الكبير (شعار الولايات المتحدة) الذي قدّمه تلامذة سنة 1945 للسفير الأمريكي أفيريل هاريمان وكان يحوي بداخله ميكروفوناً صغيراً للغاية يعمل بالطاقة الكهرمغناطيسية، وهي تقنية كانت متطورة للغاية حينها.
وقد سمح هذا الختم بعد نقله إلى السفارة الأمريكية في موسكو، للسوفيت بالتنصت خلال سنوات على المحادثات في داخل السفارة.
كذلك يتيح المعرض للزوار الغوص في العالم السوفيتي بفضل لمسات خاصة على الديكور الزاخر بالأثاث والبزات والكتب والقطع المختلفة المستخدمة من العملاء الاستخباريين، من كتاب عناصر “تشيكا” (سلف الـ”كاي جي بي”) مرورا بسجائر أصلية وكؤوس شاي وصولا إلى أجهزة هاتف وآلات كاتبة.
ويكلف دخول المتحف 25 دولاراً للشخص البالغ والزيارات المبرمجة مع مرشدين تكلف 43,9 دولار.
هذا المتحف ملكية خاصة وقد نظم أوربايتيس مع ابنته أجنه أورباتيته (29 عاماً) كل التفاصيل لكنهما يؤكدان أن دورهما يقتصر على كونهما حافظين للمكان.
ويقولان إن الجهة المالكة هي “شركة أمريكية” لا تريد كشف هويتها لكنها تضم هواة جمع، من دون تقديم تفاصيل إضافية.
وقد سمع هواة الجمع هؤلاء بالبحوث التي يجريها أوربايتيس وخصوصاً في المخبأ النووي الذي حوّله مع ابنته إلى متحف لجهاز “كاي جي بي” سنة 2014 في مدينتهما الليتوانية كاوناس.
ويقول المؤرخ: “الأمريكيون أتوا مرات عدة إلى ليتوانيا وطلبوا مني إقامة متحف في الولايات المتحدة”، مضيفاً: “هم لم يريدون التعامل (…) مع أحد لم يعرف النظام السوفيتي”.
ولم تنل ليتوانيا التي ضمها الاتحاد السوفياتي إلى أراضيه خلال الحرب العالمية الثانية مع البلدين الآخرين في البلطيق (لاتفيا وإستونيا)، استقلالها إلا بعد سقوط هذا الاتحاد سنة 1991 حين كان أوربايتيس في سن الـ27.
وعلى غرار “جميع الذين أرادوا تحقيق تغيير ما” في الاتحاد السوفيتي، التحق المؤرخ بمنظمات شيوعية للشبيبة بينها اتحاد منظمات الشباب السوفياتي (كومسمول).
أما اليوم فهو يصف نفسه بأنه “غير مسيّس” وطموحه الوحيد يتمثل في “جعل هذا المتحف الأفضل في العالم عن تقنيات جهاز كاي جي بي”.
ولا يسعى أوربايتيس إلى توثيق تقنيات التجسس الحالية المتصلة بأغراض موصولة مستخدمة في الحياة اليومية.
ويقول: “باتت أجهزة الكمبيوتر وهواتف (آي فون) أفضل الجواسيس في عالمنا اليوم إذ نحن نزودها بالمعلومات بأنفسنا، الأمر أسهل على عناصر الاستخبارات”.
ويقام هذا المتحف في إطار له دلالاته الرمزية الكبيرة، على وقع الاتهامات بالتجسس الروسي والشبهات بتواطؤ موسكو مع فريق حملة دونالد ترامب وعملية التسميم المنسوبة لموسكو التي طاولت العميل المزدوج السابق سيرجي سكريبال في بريطانيا.
كما أن جهاز “كاي جي بي” هو محور المسلسل الناجح “ذي أمريكانز” المستوحى من حياة الجواسيس السوفيت الذين عاشوا لسنوات طويلة في الولايات المتحدة وانخرطوا تماما في المجتمع الأمريكي.
واستقطب المتحف مئات الزوار بعد فترة وجيزة من افتتاحه، وتقول أجنه مبتسمة: “نحن منشغلون جدا منذ الافتتاح”.
ويبدو جيم ليتل مسرورا بما رآه خلال زيارته مع زوجته للمعرض إذ يقول: “هذا يظهر كيف حاول بلدان سرقة أسرار خاصة بالبلد الآخر”، مضيفا: “نحن نشهد الآن حربا من نوع آخر يدور جزء كبير منها على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي”.