يعكف فريق من خبراء منظمة الصحة العالمية منذ مطلع هذا الشهر على دراسة الأسباب التى تجعل من «كوفيد – 19» في مرحلة ما يسمّى «الوضع الطبيعي الجديد» يبدو مختلفاً بشكل جذري عن الفيروس الذي انتقل أواخر العام الماضي من الصين إلى أوروبا، ثم انتشر في كافة أرجاء العالم.
ويقول ألبرتو مانتوفاني، الخبير الإيطالي في علم المناعة الذي يشرف على هذه الدراسة إن «المشهد الوبائي الذي نعاينه خلال هذه المرحلة يوحي بأننا أمام فيروس مختلف عن «كوفيد – 19»، لكننا نعرف أنه لم تطرأ أي تحولّات ذات أهمية علمية تذكر على طبيعة الفيروس، لذلك كان لا بد من معرفة الأسباب والظروف التي تؤدي إلى تأثيره بشكل مختلف عن السابق».
يتناول خبراء المنظمة في هذه الدراسة «ملامح الوجه الجديد» للفيروس الذي ما زالت المعلومات المؤكدة المتوفرة عن مسالك سريانه محدودة جداً في الأوساط العلمية، ويركّزون على المحاور الثلاثة التالية: متوسط السنّ لدى المصابين، الفئات الأكثر تعرّضاً للفيروس، وخطورة الإصابات.
تفيد التقارير والبيانات الصحية الرسمية التي تصل إلى قسم إدارة الطوارئ في منظمة الصحة من جميع أنحاء العالم بأن متوسط عمر المصابين بـ«كوفيد – 19» انخفض مؤخراً دون الأربعين عاماً، بعد أن كان يتجاوز الستين خلال المرحلة الأولى.
ويقول مانتوفاني إن ذلك يعود إلى أن المسنّين، الذين يعرفون أنهم الأكثر تعرّضاً وأن إصاباتهم أكثر خطورة، يتخذّون الاحتياطات اللازمة ويتقيّدون بتدابير الوقاية، وذلك بعكس الشباب الذين ساد الاعتقاد في أوساطهم بأنهم محصّنون ضد الفيروس أو أن إصاباتهم ليست خطرة.
ولا يستبعد خبراء المنظمة أن يكون قد طرأ تغيير على الشحنة الفيروسية، لكن لا توجد حتى الآن قرائن علميّة تؤكد هذه الفرضيّة التي تحتاج لبحوث معمّقة وطويلة من أجل إثباتها.
أما بالنسبة إلى خطورة الإصابات، أي معدّل الوفّيات الناجمة عنها، فقد تبيّن من البيانات الرسمية الواردة من السلطات الصحية الأوروبية التي تعوّل المنظمة على دقتها، أن معدّل الوفّيات من كل 100 إصابة كان 9.7 مطلع يونيو (حزيران) الفائت وتراجع إلى 0.31 نهاية الشهر الماضي، ما يعني أن خطورة الفيروس قد انخفضت بنسبة 96 في المائة خلال الأشهر الأخيرة.
وبما أنه لا يُعرف بعد أي تغيير في طبيعة الفيروس من شأنه أن يفسّر هذا الانخفاض الكبير في معدّل الوفيّات، يعزوه الخبراء إلى مجموعة أسباب أخرى منها: الزيادة في عدد الفحوصات وارتفاع عدد الإصابات المشخّصة، وتراجع خطورة الفيروس الذي من أسبابه انخفاض المعدّل العمري للمصابين، إضافة إلى أن الإصابات الحالية يعالَج معظمها في أفضل الظروف الاستشفائية خلافاً لما كان يحصل في مراحل ذروة انتشار الوباء عندما كانت المراكز الصحّية مكتظّة بالمرضى.
ومع اقتراب العطلة الصيفية من نهايتها والاستعدادات الجارية لإعادة فتح المدارس، وما يرافق ذلك من مخاوف على صعيد انتشار أوسع للوباء، أعدت منظمة الصحة العالمية مجموعة من التوصيات الهادفة إلى الحد من مخاطر الانتشار خلال الفترة المقبلة إلى أن يتمّ تطوير لقاح فعّال وإنتاجه على نطاق واسع.
وتدور هذه التوصيات حول الجوانب التالية: تهوية الأماكن المغلقة بشكل دوري بعد أن بيّنت القرائن الأخيرة أن معدّل سريان الفيروس في هذه الأماكن أكبر بكثير منه في الأماكن المفتوحة. وكان خبراء المنظمة قد شدّدوا مراراً في الأشهر الماضية على أهمية تهوية المنازل وأماكن العمل ووسائل النقل والمتاجر، منعاً لبقاء الذرّات الهوائية التي تحمل الفيروس داخل الأماكن المغلقة والحيلولة دون انتقال الوباء إلى شخص آخر.
ويذكر أن دراسات حديثة نُشرت نتائجها في الأيام الأخيرة بيّنت أن الفيروس يبقى ناشطاً في الذرّات الهوائية على بعد ٥ أمتار من مصدره في الأماكن المغلقة.
إلى جانب تحسين استخدام كمّامات الوجه الواقية وتوعية الناس على أهميّتها، خاصة أن كثيرين لا يتقيّدون كما يجب بشروط استخدامها، فضلاً عن أن نسبة لا بأس بها ما زالت تصرّ على عدم استخدامها أو تفاخر بذلك. وتدعو هذه التوصيات أيضا إلى تطوير المواد التي تُصنع منها الكمّامات لتكون أكثر فاعلية وأقلّ إزعاجاً.
تشدّد التوصيات أيضا على أهمية السلوك العام خلال هذه المرحلة حيث يسود التململ بين الناس بعد فترة طويلة من القيود، ويجنح كثيرون، خاصة في أوساط الشباب، إلى تجاوز تدابير الوقاية وعدم التقيّد بالقواعد الأساسية للسلامة. وتدعو المنظمة إلى تعاون وثيق بين الجهات العلمية والأوساط السياسية من أجل توصيل إرشادات وتوجيهات واضحة وموحدة إلى الرأي العام.
وتنصح بالاعتماد على مشورة الأخصائيين في علم التواصل الاجتماعي للتوجّه إلى الفئات المهمّشة التي تبيّن أنها الأكثر تعرّضاً للوباء.
وتدعو المنظمة أيضا إلى الاهتمام بالتوعية بين الأطفال والصغار والاستعانة بالاختصاصيين في هذا المجال، علما بأن القرائن المتوفرة حتى الآن لا تحسم بشأن سريان الفيروس عن طريق الصغار. وتحذّر من الانسياق وراء المعلومات الخاطئة التي تروَّج خلال فترة الصيف بأن الحرارة المرتفعة تساعد على مواجهة الفيروس وتمنع انتشاره، ما يدفع كثيرين إلى التراخي في التقيّد بتدابير الوقاية والتباعد.