في تحول كبير يعكس الأجندة المتشددة لإدارة الرئيس ترامب تجاه الهجرة، أعلنت إدارة خدمات المواطنة والهجرة الأمريكية (USCIS) عن سلسلة من التحديثات الجذرية في سياساتها، تهدف إلى تشديد إجراءات الحصول على الجنسية والمزايا الأخرى، وتضيف معايير جديدة ذات طابع أيديولوجي لتقييم المتقدمين. هذه التغييرات، التي تم الإعلان عنها اليوم، لا تقتصر على الإجراءات البيروقراطية، بل تمثل تحولاً في فلسفة التعامل مع المهاجرين، من التركيز على المتطلبات القانونية إلى فحص الولاء والأفكار السياسية.
وتأتي هذه الخطوات بالتوازي مع حملات الاعتقال والترحيل المكثفة التي تنفذها وكالة ICE، مما يكشف عن استراتيجية ذات شقين: شق ميداني يهدف إلى إزالة المهاجرين غير الشرعيين بالقوة، وشق بيروقراطي يهدف إلى جعل مسار الهجرة القانونية والحصول على الجنسية أكثر صعوبة وتعقيداً.
فحص الطلبات بحثاً عن “المشاعر المعادية لأمريكا”
لعل أبرز هذه التغييرات وأكثرها إثارة للجدل هو الإعلان الصادر عن البيت الأبيض بأن إدارة خدمات المواطنة والهجرة ستبدأ في فحص طلبات الهجرة بحثاً عن “المشاعر المعادية لأمريكا” (anti-Americanism). هذا التوجيه يفتح الباب أمام تقييمات ذاتية وغير موضوعية، حيث لم يتم تحديد معايير واضحة لما يمكن اعتباره “معادياً لأمريكا”. يخشى محامو الهجرة والناشطون من أن هذا الإجراء قد يستخدم لمعاقبة المتقدمين الذين يعبرون عن آراء سياسية معارضة لسياسات الحكومة، أو الذين ينتمون إلى جنسيات معينة، أو حتى الذين يمارسون حقهم في حرية التعبير.
هذا التغيير يضيف طبقة من القلق للمتقدمين، خاصة من الدول العربية والإسلامية، الذين قد يجدون أنفسهم تحت تدقيق إضافي بسبب خلفياتهم أو آرائهم السياسية بشأن قضايا الشرق الأوسط.
تعديلات على اختبار التربية الوطنية والخدمة العسكرية
بالإضافة إلى فحص الولاء، أعلنت USCIS عن تنفيذ نسخة معدلة من اختبار التربية الوطنية (Civics Test) للمتقدمين للحصول على الجنسية. ويهدف “اختبار التربية الوطنية لعام 2025″، حسب بيان الوكالة، إلى «ضمان الاستيعاب السليم للمهاجرين الشرعيين في الولايات المتحدة وتعزيز هوية وطنية موحدة». ورغم أن تفاصيل التعديلات لم تُكشف بالكامل، إلا أن هذا التوجه يثير مخاوف من أن الاختبار قد يصبح أكثر صعوبة أو يركز على جوانب معينة من التاريخ والثقافة الأمريكية تتماشى مع رؤية الإدارة الحالية.
وفي تغيير آخر يؤثر على قدامى المحاربين من المهاجرين، أصدرت الوكالة توجيهاً جديداً يوضح أن بعض أنواع التسريح من الخدمة العسكرية التي لا توصف بأنها “بشروط مشرفة” (uncharacterized discharges) لن تعد تفي بمتطلبات الحصول على الجنسية بموجب المسارات السريعة المخصصة لأعضاء القوات المسلحة. هذا قد يحرم بعض الجنود الذين خدموا البلاد من فرصة أن يصبحوا مواطنين.
تشديد الرقابة على الإعفاءات الطبية ومنع الرياضيين المتحولين جنسياً
لم تقتصر التغييرات على الجوانب السياسية، بل شملت أيضاً الإجراءات الطبية. فقد أعلنت USCIS أنها ستغير طريقة معالجة شهادات الإعفاء الطبي من متطلبات اللغة والتربية الوطنية (Form N-648)، من خلال تركيز أكبر على «مصداقية الشهادات الطبية وتحديد حالات الاحتيال». ورغم أن الهدف المعلن هو تعزيز نزاهة العملية، إلا أن هذا قد يضع عقبات إضافية أمام المتقدمين كبار السن أو ذوي الإعاقة الذين يعتمدون على هذا الإعفاء.
وفي خطوة تتماشى مع الأجندة الاجتماعية المحافظة للإدارة، أصدرت الوكالة توجيهاً سياسياً لدعم الأمر التنفيذي رقم 14201، الذي يهدف إلى «إبعاد الرجال عن الرياضات النسائية». وبموجب هذا التوجيه، ستعمل الوكالة على تطوير سياسات لمنع دخول الرياضيين الذكور الذين يسعون للمنافسة في الرياضات النسائية.
مجموع هذه التغييرات يرسم صورة واضحة لإدارة تسعى إلى إعادة تشكيل نظام الهجرة الأمريكي ليكون أكثر تقييداً وانتقائية، ليس فقط بناءً على الوضع القانوني، بل أيضاً على أساس الأفكار والمعتقدات الشخصية.






