في هزة سياسية مفاجئة، أعلن المرشح التقدمي زهران ممداني فوزه في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لمنصب عمدة مدينة نيويورك، وذلك في ساعة متأخرة من مساء أمس الثلاثاء، بعد أن أقر منافسه الرئيسي، الحاكم السابق أندرو كومو، بالهزيمة. ومع فرز ٩١٪ من الأصوات، تقدم ممداني بنسبة ٤٣٪ مقابل ٣٦٪ لكومو، مما يمثل تحولاً كبيراً في المشهد السياسي للمدينة ويفتح الباب أمام أول عمدة مسلم ومن أصل هندي في تاريخها.
شرح النظام الانتخابي: الانتخابات التمهيدية والتصويت الترتيبي
بالنسبة للقادمين الجدد إلى الولايات المتحدة، من المهم فهم أن هذا لم يكن الانتخابات النهائية. “الانتخابات التمهيدية” (Primary Election) هي عملية داخلية يجريها كل حزب سياسي لاختيار مرشح واحد يمثله في “الانتخابات العامة” (General Election) التي ستُعقد في نوفمبر. في نيويورك، يستخدم الحزب الديمقراطي نظام “التصويت بالخيار المصنف” (Ranked-Choice Voting)، حيث لا يختار الناخبون مرشحاً واحداً فقط، بل يرتبون عدة مرشحين حسب تفضيلهم. إذا لم يحصل أي مرشح على أكثر من ٥٠٪ من الأصوات في الجولة الأولى، يتم استبعاد المرشح الأخير وتوزيع أصواته على الخيارات الثانية لناخبيه، وتتكرر العملية حتى يفوز مرشح بالأغلبية. تفوق ممداني الكبير في أصوات الخيار الأول، بالإضافة إلى كونه الخيار الثاني لآلاف الناخبين، جعل مهمة كومو في اللحاق به شبه مستحيلة.
صراع الأجيال والأيديولوجيات
جسدت هذه المنافسة صراعاً عميقاً داخل الحزب الديمقراطي. من جهة، كان أندرو كومو (٦٧ عاماً)، الحاكم السابق الذي استقال من منصبه وسط فضيحة تحرش جنسي، يمثل الجناح المعتدل والمؤسسي للحزب. ركزت حملته على خبرته وقدرته على “استعادة النظام” في المدينة، وحظي بدعم شخصيات بارزة مثل الرئيس الأسبق بيل كلينتون. من جهة أخرى، برز زهران ممداني (٣٣ عاماً)، وهو اشتراكي ديمقراطي وعضو في مجلس نواب الولاية، كصوت شاب وحيوي. ركزت حملته على قضايا تكلفة المعيشة الباهظة، واقترح حلولاً جذرية مثل توسيع الإسكان العام وجعل وسائل النقل العام مجانية، وحصل على دعم من رموز الجناح التقدمي مثل عضوة الكونغرس ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز والسيناتور بيرني ساندرز.
ماذا يعني هذا الفوز للجاليات العربية والمهاجرة؟
فوز ممداني يحمل أهمية رمزية وعملية كبيرة. كأول مرشح مسلم ومن أصل جنوب آسيوي يحصل على ترشيح حزب كبير لهذا المنصب، فإن فوزه يمثل لحظة تاريخية تبعث على الفخر والأمل في مجتمعات المهاجرين التي طالما شعرت بالتهميش. خطابه الذي يركز على العدالة الاقتصادية، وتخفيض تكاليف الإيجار، ودعم الأسر العاملة، يلامس بشكل مباشر التحديات اليومية التي تواجه العديد من العائلات العربية والمهاجرة في نيويورك. ومع ذلك، فإن الطريق إلى دار البلدية لا يزال طويلاً، حيث سيواجه ممداني في الانتخابات العامة في ٤ نوفمبر كلاً من العمدة الحالي إريك آدامز، الذي قرر الترشح كمستقل، والمرشح الجمهوري كيرتس سليوا. كما أن كومو لم يستبعد إمكانية الترشح كمستقل أيضاً، مما قد يزيد من تعقيد السباق.