مرة أخرى، تحولت أمطار الصيف الغزيرة إلى كابوس لركاب مترو الأنفاق في مدينة نيويورك، حيث غمرت المياه عددًا من المحطات الرئيسية، مما تسبب في تأخيرات حادة وإغلاق لبعض الخطوط، وأعادت إلى الواجهة نقاشًا حاسمًا حول مدى قدرة البنية التحتية المتقادمة للمدينة على الصمود في وجه التغيرات المناخية المتسارعة. وأصبحت مشاهد شلالات المياه المتدفقة على سلالم المحطات صورًا متكررة، مما دفع الكثيرين إلى التساؤل: هل ما يحدث هو مجرد إزعاج مؤقت أم عرض لمرض مزمن يهدد شريان حياة المدينة؟
هذه الحوادث، التي وصفتها إحدى العناوين الإخبارية بأنها أصبحت ظاهرة سنوية (“نشهدها كل عام”)، لم تعد مفاجئة. يعتمد ملايين النيويوركيين، بمن فيهم أعداد كبيرة من المهاجرين والعاملين في وظائف حيوية، على شبكة المترو يوميًا. وعندما تتعطل هذه الشبكة، فإن التأثير يمتد إلى كل جانب من جوانب الحياة في المدينة، من الوصول إلى العمل إلى رعاية الأطفال.
تكمن جذور المشكلة في عمر النظام نفسه. تم بناء جزء كبير من مترو أنفاق نيويورك منذ أكثر من قرن، في وقت كانت فيه أنماط الطقس مختلفة تمامًا. لم يتم تصميم أنظمة الصرف والمضخات القديمة للتعامل مع الكميات الهائلة من الأمطار التي تهطل في فترات زمنية قصيرة، وهي السمة المميزة للعواصف الشديدة التي أصبحت أكثر تواترًا بسبب تغير المناخ. وعندما تفوق كمية المياه قدرة النظام على تصريفها، تكون النتيجة هي الفيضانات التي تشل الحركة.
واللافت أن هذه الأزمة تتكشف في نفس الوقت الذي تخوض فيه ولاية نيويورك معركة قانونية مع الحكومة الفيدرالية. فكما ورد في تقرير سابق، تقاضي الولاية وكالة إدارة الطوارئ الفيدرالية (FEMA) بسبب إلغاء برنامج يمول مشاريع استباقية لمواجهة الكوارث. هذا الوضع يسلط الضوء على مفارقة صارخة: فبينما تحارب المدينة للحصول على تمويل لحماية نفسها من كوارث المستقبل، فإن أنظمتها الحالية تكافح بالفعل للصمود أمام تحديات الحاضر. إنها معركة على جبهتين ضد المياه: واحدة في قاعات المحاكم للحصول على أموال الوقاية، والأخرى في أنفاق المترو لمواجهة آثار الإهمال الطويل وتغير المناخ.
تثير هذه الفيضانات المتكررة تساؤلات جدية حول أولويات الإنفاق في المدينة والولاية. وبينما يتم استثمار المليارات في مشاريع جديدة، يجادل النقاد بأن صيانة وتحديث البنية التحتية الحالية يجب أن تكون على رأس القائمة. بالنسبة لسكان نيويورك، لم يعد السؤال “هل سيحدث فيضان آخر؟” بل “متى سيحدث؟” وكيف ستستجيب المدينة لهذا التحدي الوجودي الذي يهدد مستقبلها.