نيويورك اليوم

لماذا دعا زهران ممداني إلى مقاطعة ستاربكس؟

أثارت دعوة العمدة المنتخب لمدينة نيويورك، زهران ممداني، إلى مقاطعة سلسلة المقاهي العالمية ستاربكس اهتماماً واسعاً في الولايات المتحدة وخارجها، بعدما طلب من متابعيه على منصات التواصل الاجتماعي الامتناع عن شراء القهوة من ستاربكس طوال فترة إضراب العمال. وجاءت الدعوة في سياق تضامنه العلني مع موظفي الشركة المضربين، الذين يخوضون معركة نقابية من أجل عقد عمل عادل وتحسين ظروفهم المعيشية والوظيفية.

من هو زهران ممداني وما خلفية مواقفه؟

زهران ممداني سياسي تقدمي من أصول إفريقية وآسيوية، يمثل الجناح اليساري داخل الحزب الديمقراطي، ويُعرف بانحيازه الصريح لقضايا العمال والعدالة الاجتماعية، وبقربه من تيارات الاشتراكية الديمقراطية في نيويورك. هذا المسار السياسي جعله يبدو منسجماً مع دعاوى النقابات العمالية، خاصة عندما يتعلق الأمر بشركات كبرى مثل ستاربكس، التي تُتهم منذ سنوات بمقاومة التنظيم النقابي والضغط على العاملين.

ما قصة إضراب عمال ستاربكس؟

انطلقت شرارة الإضراب الأخير من جانب عمال ستاربكس المنضوين تحت لواء اتحاد نقابي يعرف باسم «ستاربكس ووركرز يونايتد» Starbucks Workers United، وهو اتحاد يمثل آلاف العاملين في فروع مختلفة داخل الولايات المتحدة. ويقول الاتحاد إن الشركة تمارس ما يسميه «ممارسات عمل غير عادلة»، وهو تعبير يُستخدم في قانون العمل الأمريكي لوصف تصرفات أصحاب العمل التي تُضعف حق العمال في التنظيم النقابي أو التفاوض الجماعي.

العمال المضربون يطالبون بثلاثة أمور رئيسية: أولاً، رفع الأجور وتحسين سلم الرواتب بما يواكب ارتفاع تكاليف المعيشة؛ ثانياً، تحسين ظروف العمل داخل الفروع عبر زيادة عدد العاملين في المناوبات لتخفيف الضغط اليومي عن «البارستا» baristas، أي موظفي تحضير القهوة وخدمة الزبائن؛ وثالثاً، التوصل إلى عقود عمل جماعية واضحة تُلزم الشركة باحترام النقابة ومنحها دوراً حقيقياً في التفاوض.

ما هو «يوم الكوب الأحمر» ولماذا اختاره العمال؟

اختار العمال توقيت الإضراب ليتزامن مع ما يُعرف داخل الشركة بـ«يوم الكوب الأحمر» Red Cup Day، وهو يوم ترويجي تحتفل فيه ستاربكس بموسم العطلات في الولايات المتحدة وتقدم خلاله أكواباً حمراء مميزة أو أكواباً قابلة لإعادة الاستخدام، ما يجذب عدداً كبيراً من الزبائن ويجعل اليوم من أعلى الأيام في حجم المبيعات السنوية. اختيار هذا اليوم يحمل رسالة مباشرة للشركة، مفادها أن الضغط الاقتصادي في أكثر يوم ربحاً قد يكون وسيلة فعّالة لدفع الإدارة إلى طاولة التفاوض.

ما الذي قاله ممداني تحديداً؟

في منشور على منصة «إكس» X، أعلن زهران ممداني أنه لن يشتري أي مشروب من ستاربكس طوال فترة الإضراب، داعياً الجمهور إلى اتخاذ الخطوة نفسها. واستخدم عبارة لافتة تحولت إلى شعار متكرر في هذه الحملة: «لا عقد، لا قهوة» No contract, no coffee، في إشارة واضحة إلى أن دعم العمال يبدأ من سلوك المستهلك اليومي، وأن المقاطعة الاقتصادية يمكن أن تكون أداة ضغط فعّالة عندما تشعر الشركة أن صورتها وعائداتها المالية مهددة.

وأكد ممداني أن الإضراب ليس مجرد خلاف داخلي بين شركة وموظفيها، بل جزء من معركة أوسع من أجل احترام حقوق العمال في شركات كبرى تحقق أرباحاً ضخمة، بينما يظل الكثير من العاملين فيها على الحد الأدنى من الأجور أو قريباً منه، ويعانون من ضغط العمل وعدم الاستقرار في جدول المناوبات.

كيف ردت ستاربكس وما حجم الإضراب فعلياً؟

من جانبها، تؤكد إدارة ستاربكس أنها تقدم «أجوراً ومزايا تنافسية» لموظفيها، وأن نسبة العمال المنضمين للنقابات ما زالت صغيرة مقارنة بإجمالي عدد العاملين. كما تحاول الشركة التقليل من أثر الإضراب بالتشديد على أن الغالبية الساحقة من فروعها تواصل العمل بشكل طبيعي، وأن الإغلاق أو التعطّل يطال عدداً محدوداً من المواقع.

في المقابل، يشير ممثلو النقابة إلى أن الإضراب شمل مئات الفروع في عشرات المدن، وأنه يأتي ضمن سلسلة أوسع من التحركات العمالية بدأت قبل سنوات، ويُتوقع أن تستمر ما لم يتم توقيع عقود جماعية واضحة. ويشددون على أن ما يهمهم ليس فقط زيادة الأجور، بل أيضاً وقف ما يعتبرونه عقوبات تعسفية، وإغلاق بعض الفروع التي انضم عمالها إلى النقابة، وتأخير المفاوضات أو إفراغها من مضمونها.

لماذا تهم هذه الدعوة المستهلكين العرب في أمريكا؟

بالنسبة للجاليات العربية والمسلمة المقيمة في الولايات المتحدة، تحمل هذه القضية أكثر من بعد. فمن جهة، تطرح أسئلة حول موقع العامل المهاجر داخل سوق العمل الأمريكي، خاصة أن كثيراً من العاملين في سلاسل القهوة والمطاعم هم من المهاجرين أو أبناء المهاجرين. ومن جهة أخرى، تدفع المستهلك العربي إلى التفكير في أثر اختياراته اليومية، مثل شراء كوب قهوة من هذه السلسلة أو غيرها، على موازين القوة بين الشركات الكبرى والعمال.

كما أن شخصية مثل زهران ممداني، التي تبنّت موقفاً سياسياً واضحاً لصالح العمال، قد تتحول إلى نموذج لسياسيين آخرين يرون في دعم الإضرابات والمقاطعات أداة لتعزيز خطاب العدالة الاجتماعية، بما ينعكس في النهاية على سياسات أوسع تتعلق بالأجور، والسكن، والتعليم، والرعاية الصحية.

إلى أين يمكن أن تتجه الأزمة؟

السيناريوهات المطروحة أمام ستاربكس والعمال متعددة. فإذا استمر الإضراب ووجدت الدعوة إلى المقاطعة صدى واسعاً لدى المستهلكين، فقد تضطر الشركة إلى تقديم تنازلات حقيقية في ملفات الأجور، والجدولة، والاعتراف النقابي. أما إذا نجحت في احتواء الإضراب دون خسائر كبيرة، فقد تشعر أنها غير مضطرة لتغيير عميق في سياساتها، وهو ما قد يطيل أمد الصراع بين الطرفين.

في كل الأحوال، تبقى دعوة زهران ممداني لمقاطعة ستاربكس مثالاً على كيف يمكن لمسؤول منتخب أن يستخدم منصته السياسية والإعلامية لدعم تحركات عمالية على الأرض، وأن يحوّل إضراباً في سلسلة قهوة إلى قضية رأي عام، تتجاوز حدود الفرع أو المدينة لتطرح أسئلة أكبر حول العدالة في مكان العمل ودور المستهلك في تشكيل مستقبل هذه المعركة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: كف عن نسخ محتوى الموقع ونشره دون نسبه لنا !