في فيلادلفيا، ليلة الثلاثاء، جرت المناظرة الرئاسية الأولى بين الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ونائبة الرئيس الحالي كامالا هاريس، وذلك في إطار السباق الرئاسي لعام 2024. هذه المناظرة تأتي في ظل أجواء مشحونة سياسيًا، خصوصًا بعد انسحاب الرئيس الحالي جو بايدن من السباق الرئاسي، ما ترك هاريس في مواجهة مباشرة مع ترامب. المناظرة، التي بثت على قناة ABC، كانت مليئة باللحظات الحادة والمثيرة، حيث استعرض الطرفان مواقفهما حول القضايا الداخلية والخارجية، مع وعودٍ سياسية واقتصادية مختلفة تهدف إلى جذب الناخبين.
**بداية المناظرة:**
افتتحت المناظرة بتقديم المرشحين نفسيهما، حيث بدأت النقاشات مع تركيز على الأوضاع الاقتصادية. دافعت هاريس عن إدارة بايدن وسجلها في تحسين الاقتصاد، قائلة إن “إدارة بايدن-هاريس نجحت في مواجهة التضخم وإيجاد حلول لدعم الطبقة الوسطى.” وأشارت إلى أن خطتها الاقتصادية تعتمد على خلق فرص عمل جديدة وتخفيف العبء المالي عن العائلات الأمريكية، بالإضافة إلى تقديم حوافز لرواد الأعمال.
أما ترامب، فقد بدأ حديثه بانتقاد شديد لأداء إدارة بايدن، واصفًا إياها بأنها “فاشلة” في إدارة الاقتصاد. وأشار إلى أن التضخم بلغ أعلى مستوياته في عهد بايدن-هاريس، ما أدى إلى تدهور مستوى معيشة الأمريكيين. وتحدث ترامب عن خطته الاقتصادية التي تهدف إلى “إعادة أمريكا إلى مكانتها الاقتصادية العالمية من خلال سياسات تعتمد على السوق الحرة وخفض الضرائب.”
**التراشق حول السياسة الخارجية:**
انتقلت المناظرة بعد ذلك إلى السياسة الخارجية، حيث دار جدال ساخن حول القضايا الدولية المهمة. ترامب هاجم بشدة سياسة هاريس وإدارة بايدن فيما يتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية والصراع الإسرائيلي الفلسطيني. واعتبر أن الولايات المتحدة “تبدد مواردها” في دعم حلفاء مثل أوكرانيا وإسرائيل، مشيرًا إلى أن تلك الموارد يجب أن تركز على تحسين الوضع الداخلي للولايات المتحدة.
هاريس دافعت عن موقفها بحزم، قائلة إن الولايات المتحدة “يجب أن تظل على التزامها بدعم الديمقراطيات حول العالم.” وأكدت أن تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا في مواجهة العدوان الروسي هو أمر حيوي لضمان الاستقرار الأوروبي والأمني الدولي. كما شددت على دعم إسرائيل في حربها مع حماس، معتبرة أن “إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها”، وأكدت أن إدارة بايدن-هاريس ستواصل دعم الحلفاء الديمقراطيين في العالم.
**الاقتصاد والوعود الانتخابية:**
كان الاقتصاد من المحاور الرئيسية في المناظرة، حيث قدم كل من المرشحين وعودًا مختلفة للناخبين حول كيفية تحسين الوضع الاقتصادي في البلاد. هاريس قدمت خطتها التي تضمنت عدة مبادرات مهمة، منها:
– **دعم الشركات الناشئة:** وعدت هاريس بتقديم ما يصل إلى 50,000 دولار كدعم مالي للشركات الناشئة، بهدف تحفيز الابتكار وريادة الأعمال في الولايات المتحدة، خاصة في المجتمعات الفقيرة.
– **دعم للأسر الجديدة:** تعهدت هاريس بتقديم 6,000 دولار لكل أسرة تستقبل مولودًا جديدًا، وذلك في إطار جهودها لدعم الأسر الأمريكية وتخفيف العبء المالي عليها.
– **مساعدة لشراء المنازل:** أعلنت هاريس عن تقديم دعم يصل إلى 25,000 دولار كدفعة أولى لشراء المنازل للمشترين لأول مرة، مشيرة إلى أن هذا الدعم سيسهم في مواجهة ارتفاع أسعار المنازل ويعزز من قدرة الشباب والعائلات ذات الدخل المحدود على امتلاك المنازل.
من جانبه، وعد ترامب بإعادة الهيبة الاقتصادية لأمريكا من خلال سياسات تقليدية قائمة على خفض الضرائب، خاصة على الشركات الكبرى، وتحفيز النمو الاقتصادي عبر إزالة العوائق التنظيمية أمام الأعمال التجارية. وأشار إلى أن سياساته الاقتصادية السابقة كانت ناجحة في زيادة فرص العمل وتحقيق مستويات منخفضة من البطالة
**التوترات حول الهجرة:**
قضية الهجرة كانت من أبرز النقاط التي شهدت تراشقًا حادًا بين المرشحين. ترامب هاجم سياسات إدارة بايدن-هاريس بشدة فيما يتعلق بالهجرة غير الشرعية، معتبرًا أن الحدود الأمريكية “مفتوحة على مصراعيها” وأن الهجرة غير الشرعية تمثل خطرًا كبيرًا على الأمن القومي والاقتصادي للبلاد. وزعم أن المهاجرين غير الشرعيين “يتسببون في ارتفاع معدلات الجريمة ويستولون على وظائف الأمريكيين.”
من جهتها، دافعت هاريس عن سياسات الهجرة التي تتبناها الإدارة، وأكدت أن الولايات المتحدة بلد المهاجرين، وأن سياسات الهجرة يجب أن تكون إنسانية وعادلة. وقالت إن “إدارة بايدن-هاريس تعمل على إصلاح نظام الهجرة لتأمين الحدود وتوفير مسارات قانونية للحصول على الإقامة.”
**التراشق حول قضية الحشود الانتخابية:**
في لحظة مثيرة للجدل، سخرت هاريس من حجم الحشود التي تحضر تجمعات ترامب، قائلة إن “الناس يغادرون تجمعاته مبكرًا من شدة الملل.” هذا التعليق أثار غضب ترامب الذي رد بغضب قائلاً: “تجمعاتي هي الأكبر في تاريخ السياسة.” وأضاف أن هاريس تستعين بالجماهير عبر نقلهم بالباصات ودفع الأموال لهم لحضور تجمعاتها، وهو ادعاء رفضته هاريس بسرعة.
**قضية الإجهاض:**
قضية حقوق الإجهاض كانت حاضرة بقوة في المناظرة، حيث دافعت هاريس عن موقفها الداعم لحقوق المرأة في الاختيار. وأكدت أن قرار المحكمة العليا بإلغاء حكم “رو ضد ويد” يمثل تراجعًا خطيرًا عن الحقوق المكتسبة، متعهدة بإعادة تلك الحقوق من خلال تشريعات جديدة.
أما ترامب، فقد أعاد التأكيد على موقفه المناهض للإجهاض، مشيرًا إلى أنه يؤيد حظر الإجهاض بعد الأسبوع السادس من الحمل، وذلك استجابة لمطالب القاعدة المحافظة في الحزب الجمهوري. وأكد أن سياساته ستعمل على “حماية حياة الأجنة” وضمان عدم تراجع الأخلاق والقيم التقليدية في المجتمع الأمريكي.
**السياسة الصحية:**
فيما يتعلق بالرعاية الصحية، اتهم ترامب إدارة بايدن-هاريس بالفشل في إصلاح النظام الصحي وتقديم حلول لتقليل تكلفة العلاج. وأكد أن لديه “خططًا” لتحسين النظام الصحي وتخفيض تكاليف الأدوية، لكنه لم يقدم تفاصيل دقيقة حول كيفية تحقيق ذلك.
من جهتها، دافعت هاريس عن سجل إدارة بايدن في الرعاية الصحية، مشيرة إلى أن توسيع نطاق التأمين الصحي كان من الإنجازات الرئيسية للإدارة. كما وعدت بخفض تكاليف الأدوية وضمان أن يتمكن الجميع من الحصول على الرعاية الصحية الأساسية.
**ختام المناظرة:**
مع اقتراب نهاية المناظرة، بدا أن كلا المرشحين لم يتراجع عن مواقفه، بل زادت حدة التوترات بينهما. ترامب أصر على أن سياساته هي “الطريق الوحيد لاستعادة المجد الأمريكي”، بينما دافعت هاريس عن موقفها القائل بأن “البلاد بحاجة إلى قيادة جديدة تعتمد على الأمل والتفاؤل.”
في الختام، شكلت هذه المناظرة نقطة انطلاق قوية لكلا المرشحين في السباق الرئاسي لعام 2024، حيث حاول كل منهما إقناع الناخبين بأنه الأجدر بقيادة البلاد في السنوات الأربع المقبلة. ومع بقاء عدة أسابيع فقط حتى موعد الانتخابات، سيكون لهذه المناظرات تأثير كبير على قرارات الناخبين والنتائج النهائية.
