الجالية العربية

تقرير خاص : قصة أب عربي في نيوجيرسي كاد أن يخسر أبناءه بسبب «تأديب بسيط»

لم يتخيّل «سامر»، الأب العربي المقيم في إحدى ضواحي ولاية نيوجيرسي، أن ليلة عصيبة في منزله يمكن أن تتحول إلى ملف رسمي لدى سلطات حماية الطفل، وأن تربية أطفاله بالطريقة التي اعتادها في بلده الأصلي قد تُفسَّر هنا كعنف يستدعي تدخل الدولة.

في ذلك المساء، عاد سامر مرهقًا من عمله اليومي الذي يمتدّ لساعات طويلة كسائق تاكسي. وجد ابنه الأكبر، ذي الأعوام التسعة، يصرخ في وجه شقيقته، ويرمي الكتب على الأرض، ويرفض أداء واجباته المدرسية. فقد أعصابه، ورفع صوته، ثم أمسك بالطفل من ذراعه وهزّه بعنف وهو يصرخ: «كم مرة قلت لك أن تحترم أختك وتذاكر دروسك؟». خلال دقائق، كان بكاء الطفل قد عمَّ أرجاء الشقة، وسمع الجيران الصراخ المتبادل خلف الجدران الرقيقة.

بعد يومين فقط، تلقّت الأسرة اتصالًا من المدرسة تطلب حضور الأب فورًا. هناك، فوجئ سامر بوجود موظفة اجتماعية تم التعريف بها على أنها ممثّلة عن «خدمات حماية الطفل» في الولاية. تم سؤاله عن أسلوب تعامله مع أطفاله، وعن «آثار زرقاء خفيفة» على ذراع الصغير لاحظتها ممرضة المدرسة أثناء الفحص الروتيني. وبعد جلسة قصيرة اتّسمت بالتوتر وسوء الفهم، خرج سامر من الاجتماع وهو يحمل في يده ورقة تحذير رسمي، وعلى وجهه سؤال واحد ثقيل: «هل يمكن أن تأخذ الدولة أطفالي منّي بسبب طريقة تربيتي؟»

فجوة خطيرة بين ثقافة «التأديب» والقانون الأمريكي

في كثير من المجتمعات العربية، يُنظر إلى الصراخ أو الضرب الخفيف أو «الشدّ من الذراع» على أنها وسائل تأديب عادية، خاصة إذا لم تخلّف إصابات واضحة أو جروحًا قوية. أما في الولايات المتحدة، فالقانون ينظر إلى الأمر من زاوية مختلفة تمامًا:
سلامة الطفل الجسدية والنفسية خط أحمر، وأي عنف متكرر أو مُهين يمكن أن يفتح ملف تحقيق رسمي.

في ولايات مثل نيوجيرسي ونيويورك وغيرها، توجد جهات تُسمّى عادة خدمات حماية الطفل (Child Protective Services – CPS أو أسماء قريبة)، مهمّتها التدخل عندما يُشتبه في وجود:

  • ضرب متكرر أو عنيف يترك آثارًا أو كدمات.
  • صراخ وتهديد مستمر قد يُعتبر «إساءة عاطفية» للطفل.
  • إهمال واضح في الطعام، أو النظافة، أو المتابعة الصحية والتعليمية.

المفاجأة لكثير من الآباء العرب أن مجرد بلاغ واحد من مدرسة، أو جار، أو طبيب، قد يكون كافيًا لفتح تحقيق، وزيارة منزلية، وجمع معلومات عن الأسرة.

من يبلّغ؟ المدرسة ليست «عدوًا» لكنها مُلزَمة بالقانون

وفق القوانين الأمريكية، تُعتبر بعض الفئات «مبلّغين إلزاميين» (Mandated Reporters)، أي أشخاص مُلزمون قانونًا بالإبلاغ عن أي اشتباه في إساءة معاملة طفل، ومنهم:

  • المعلمون والمعلمات والمشرفون التربويون.
  • الأطباء والممرضون.
  • الموظفون الاجتماعيون.
  • بعض العاملين في مراكز رعاية الأطفال.

إذا لاحظت الممرضة آثار كدمات متكررة على طفل، أو لاحظت المدرسة أن الطفل يخاف بشكل مبالغ فيه من والديه، أو روى الطفل بنفسه أنه «يتعرض للضرب في البيت»، فإن تجاهل ذلك قد يعرّض هؤلاء الموظفين للمساءلة القانونية. ولهذا، تفضّل كثير من المدارس الإبلاغ فورًا، حتى لو كان الموقف بسيطًا في نظر الأهل.

أين الخط الفاصل بين «التأديب» و«العنف»؟

لا يقدّم القانون قائمة ثابتة بكل ما هو ممنوع ومسموح، لكن هناك قواعد عامة يمكن للآباء العرب أن يستوعبوها:

  • أي ضرب يترك آثارًا، كدمات أو جروح، يُعدّ خطرًا كبيرًا حتى لو قال الأب إنه «مجرّد تأديب».
  • الصراخ اليومي، والإهانات، والتحقير المستمر يمكن أن يُعتبر «إساءة عاطفية» تؤثر على الصحة النفسية للطفل.
  • التهديد بسحب الطعام أو النوم أو الحماية قد يُفسَّر أيضًا على أنه إساءة، خصوصًا إذا تكرر.
  • استخدام أدوات مثل الحزام، أو العصا، أو أي أداة قاسية في كثير من الحالات يُنظر إليه كعنف منزلي صريح.
  • الضرب أمام المدرسة أو في أماكن عامة يزيد من احتمالات البلاغات والتدخل السريع.

بعض القضاة والموظفين الاجتماعيين قد يتفهّمون الفارق الثقافي، لكن القانون نفسه لا يعفي الأهل من المسؤولية بمجرد القول: «هكذا ربّونا في بلادنا».

كيف تتعامل الأسرة العربية إذا زارتها خدمات حماية الطفل؟

زيارة CPS لا تعني بالضرورة أن الأطفال سيُسحَبون فورًا من المنزل، لكنها خطوة خطيرة يجب التعامل معها بحذر وهدوء:

  • الهدوء وعدم الانفعال:
    الصراخ على الموظف، أو طرده من البيت، أو رفض الكلام معه، قد يُفسَّر كإخفاء شيء خطير.
  • الاستماع جيدًا إلى الأسئلة والملاحظات:
    وشرح وجهة نظر الأسرة، مع التأكيد على حب الأهل لأطفالهم واستعدادهم لتغيير أي سلوك خاطئ.
  • تجنّب الاعتراف الصريح بضرب متكرر أو عنيف:
    لكن في الوقت نفسه عدم الكذب الواضح. من الأفضل القول مثلًا: «أحيانًا أفقد أعصابي وأرفع صوتي، وأحاول أن أتعلم طريقة أفضل» بدلًا من: «نعم أضربه بالحزام عندما يخطئ».
  • طلب مترجم معتمد إذا كانت اللغة عائقًا:
    سوء الفهم بسبب اللغة قد يجعل الوضع أسوأ بكثير.
  • الاستعانة بمحامٍ أو مركز قانوني مجاني إن أمكن:
    هناك منظمات في الولايات المتحدة تقدّم استشارات مجانية أو منخفضة التكلفة للأسر ذات الدخل المحدود، خصوصًا في قضايا الأطفال والهجرة.

نصائح عملية للأسر العربية في أمريكا

لمنع الوصول أصلًا إلى مرحلة تدخل خدمات حماية الطفل، يمكن للأهل التفكير في خطوات وقائية:

  • تعلّم أساليب تربية إيجابية (Positive Parenting)، والاعتماد على الحوار والعواقب المنطقية بدل الضرب.
  • تجنّب الصراخ الشديد أمام النوافذ المفتوحة أو في أماكن عامة، خصوصًا في المجمعات السكنية ذات الجدران الرقيقة.
  • التفاعل بجدية مع ملاحظات المدرسة قبل أن تتطور الأمور إلى بلاغ رسمي.
  • طلب المساعدة من مختصين أو مستشارين أسريين إذا كان أحد الأبوين يعاني من ضغوط نفسية حادة أو عصبية زائدة.

في النهاية: الجهل بالقانون لا يحمي أحدًا

قصة «سامر» ليست حكاية تخويف بقدر ما هي جرس إنذار مبكر للأسر العربية في الولايات المتحدة. ما نعتبره في مجتمعاتنا «تربية صارمة» قد يُرى هنا كعنف منزلي يستدعي تدخل الدولة، وقد تنتهي بعض الحالات فعلًا بسحب الأطفال من البيت ووضعهم في رعاية بديلة.

من حق الأهل أن يربّوا أبناءهم وفق قيمهم وثقافتهم، لكن من واجبهم أيضًا أن يتعرّفوا على حدود القانون في البلد الذي يعيشون فيه. وبين حبّنا لأطفالنا وخوفنا عليهم، تبقى المعرفة القانونية أول خطوة لحمايتهم من قرارات قد تغيّر مصير الأسرة بالكامل.

تنويه: هذه القصة مبنية على وقائع حقيقية حدثت في الولايات المتحدة مع أسر مهاجرة، وقد تم تغيير الأسماء وبعض التفاصيل حفاظًا على الخصوصية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: كف عن نسخ محتوى الموقع ونشره دون نسبه لنا !